الزائدة وفي كلّ ذلك لا تفارقها الدلالة على الحالة ، ولا يفارقها إيلاء الجملة الفعلية إياها إلّا ما شذّ من قولهم : كيف أنت. فإذا كانت استفهاما فالجملة بعدها هي المستفهم عنه فتكون معمولة للفعل الذي بعدها ، ملتزما تقديمها عليه ؛ لأنّ للاستفهام الصدارة ، وإذا جرّدت عن الاستفهام كان موقعها من الإعراب على حسب ما يطلبه الكلام الواقعة هي فيه من العوامل كسائر الأسماء.
وأمّا الجملة التي بعدها ـ حينئذ ـ فالأظهر أن تعتبر مضافا إليها اسم كيف ويعتبر كيف من الأسماء الملازمة للإضافة. وجرى في كلام بعض أهل العربية أنّ فتحة (كيف) فتحة بناء.
والأظهر عندي أنّ فتحة كيف فتحة نصب لزمتها لأنّها دائما متّصلة بالفعل فهي معمولة له على الحالية أو نحوها ، فلملازمة ذلك الفتح إياها أشبهت فتحة البناء.
فكيف في قوله هنا (كَيْفَ يَشاءُ) يعرب مفعولا مطلقا «ليصوّركم» ، إذ التقدير: حال تصوير يشاؤها كما قاله ابن هشام في قوله تعالى : (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) [الفجر : ٦].
وجوّز صاحب «المغني» أن تكون شرطية ، والجواب محذوف لدلالة قوله :(يُصَوِّرُكُمْ) عليه وهو بعيد ؛ لأنّها لا تأتي في الشرط إلّا مقترنة بما. وأما قول الناس : كيف شاء فعل فلحن. وكذلك جزم الفعل بعدها قد عدّ لحنا عند جمهور أئمّة العربية.
وذلّ تعريف الجزأين على قصر صفة التصوير عليه تعالى وهو قصر حقيقي لأنّه كذلك في الواقع ؛ إذ هو مكوّن أسباب ذلك التصوير وهذا إيماء إلى كشف شبة النصارى إذ توهّموا أن تخلّق عيسى بدون ماء أب دليل على أنّه غير بشر وأنّه إله وجهلوا أنّ التصوير في الأرحام وإن اختلفت كيفياته لا يخرج عن كونه خلقا لما كان معدوما فكيف يكون ذلك المخلوق المصوّر في الرحم إلها.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
تذييل لتقرير الأحكام المتقدّمة. وتقدم معنى العزيز الحكيم في قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) وفي افتتاح السورة بهذه الآيات براعة استهلال لنزولها في مجادلة نصارى نجران ، ولذلك تكرّر في هذا الطالع قصر الإلهية على الله تعالى في قوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقوله : (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).