في عمله لا في عمل غيره ، ولذلك قال مالك : لا تصحّ النّيابة في الحجّ في الحياة لعذر ، فالعاجز يسقط عنه الحجّ عنده ولم ير فيه إلّا أنّ للرجل أن يوصي بأن يحجّ عنه بعد موته حجّ التّطوع ، وقال الشّافعي ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه : إذا كان له عذر مانع من الحجّ وكان له من يطيعه لو أمره بأن يحجّ عنه ، أو كان له مال يستأجر به من يحجّ عنه ، صار قادرا في الجملة ، فيلزمه الحجّ ، واحتجّ بحديث ابن عبّاس : أنّ امرأة من خثعم سألت النّبيء صلىاللهعليهوسلم يوم حجّة الوداع فقالت : إنّ فريضة الله على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفيجزئ أن أحجّ عنه؟ قال : نعم ، حجّي عنه أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ قالت : نعم ، قال : فدين الله أحقّ أن يقضى. وأجاب عنه المالكية بأنّ الحديث لم يدلّ على الوجوب بل أجابها بما فيه حثّ على طاعة أبيها ، وطاعة ربّها.
وقال عليّ بن أبي طالب ، وسفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وابن المبارك. لا تجزئ إلّا إنابة الأجرة دون إنابة الطّاعة.
وظاهر الآية أنّه إذا تحقّقت الاستطاعة وجب الحجّ على المستطيع على الفور ، وذلك يندرج تحت مسألة اقتضاء الأمر الفور أو عدم اقتضائه إيّاه ، وقد اختلف علماء الإسلام في أنّ الحجّ واجب على الفور أو على التّراخي. فذهب إلى أنّه على الفور البغداديون من المالكية : ابن القصار ، وإسماعيل بن حماد ، وغيرهما ، وتأوّلوه من قول مالك ، وهو الصّحيح من مذهب أبي حنيفة ، وهو قول أحمد بن حنبل ، وداود الظاهري. وذهب جمهور العلماء إلى أنّه على التّراخي وهو الصحيح من مذهب مالك ورواية ابن نافع وأشهب عنه وهو قول الشّافعي وأبي يوسف. واحتجّ الشّافعي بأنّ الحجّ فرض قبل حجّ النّبيءصلىاللهعليهوسلم بسنين ، فلو كان على الفور لما أخّره لعذر لبيّنه أي لأنّه قدوة للنّاس. وقال جماعة : إذا بلغ المرء الستّين وجب عليه الفور بالحجّ إن كان مستطيعا خشية الموت ، وحكاه ابن خويزمنداد عن ابن القاسم.
ومعنى الفور أن يوقعه المكلّف في الحجّة الّتي يحين وقتها أولا عند استكمال شرط الاستطاعة.
وقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ظاهره أنّه مقابل قوله (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فيكون المراد بمن كفر من لم يحجّ مع الاستطاعة ، ولذلك قال جمع من المحقّقين: إنّ الإخبار عنه بالكفر هنا تغليظ لأمر ترك الحجّ. والمراد كفر النعمة. ويجوز