إِخْواناً)
وقوله : (بِنِعْمَتِهِ) الباء فيه للملابسة بمعنى (مع) أي أصبحتم إخوانا مصاحبين نعمة من الله وهي نعمة الأخوّة ، كقول الفضل بن عبّاس بن عتبة اللهبي :
كلّ له نية في بغض صاحبه |
|
بنعمة الله نقليكم وتقلونا |
وقوله : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) عطف على (كُنْتُمْ أَعْداءً) فهو نعمة أخرى وهي نعمة الإنقاذ من حالة أخرى بئيسة وهي حالة الإشراف على المهلكات.
والشّفا مثل الشّفة هو حرف القليب وطرفه ، وألفه مبدلة من واو. وأما واو شفة فقد حذفت وعوضت عنها الهاء مثل سنة وعزّة إلّا أنهم لم يجمعوه على شفوات ولا على شفين بل قالوا شفاه كأنّهم اعتدوا بالهاء كالأصل.
فأرى أن شفا حفرة النّار هنا تمثيل لحالهم في الجاهلية حين كانوا على وشك الهلاك والتّفاني الّذي عبّر عنه زهير بقوله :
تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم
بحال قوم بلغ بهم المشي إلى شفا حفير من النّار كالأخدود فليس بينهم وبين الهلاك السّريع التّام إلا خطوة قصيرة ، واختيار الحالة المشبّه بها هنا لأن النّار أشدّ المهلكات إهلاكا ، وأسرعها ، وهذا هو المناسب في حمل الآية ليكون الامتنان بنعمتين محسوستين هما : نعمة الأخوة بعد العداوة ، ونعمة السلامة بعد الخطر ، كما قال أبو الطيب :
نجاة من البأساء بعد وقوع
والإنقاذ من حالتين شنيعتين. وقال جمهور المفسرين : أراد نار جهنّم. وعلى قولهم هذا يكون قوله : (شَفا حُفْرَةٍ) مستعارا للاقتراب استعارة المحسوس للمعقول. والنّار حقيقة ، ويبعد هذا المحمل قوله تعالى : (حُفْرَةٍ) إذ ليست جهنّم حفرة بل هي عالم عظيم للعذاب. وورد في الحديث «فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان» لكن ذلك رؤيا جاءت على وجه التمثيل وإلا فهي لا يحيط بها النّظر. ويكون الامتنان على هذا امتنانا عليهم بالإيمان بعد الكفر وهم ليقينهم بدخول الكفرة النّار علموا أنّهم كانوا على شفاها. وقيل : أراد نار الحرب وهو بعيد جدا لأنّ نار الحرب لا توقد في حفرة بل توقد في العلياء ليراها من كان بعيدا كما قال الحارث :