الّذين دخلوا في الإسلام إخوانا وأولياء بعضهم لبعض ، لا يصدّهم عن ذلك اختلاف أنساب ، ولا تباعد مواطن ، ولقد حاولت حكماؤهم وأولو الرأي منهم التأليف بينهم ، وإصلاح ذات بينهم ، بأفانين الدّعاية من خطابة وجاه وشعر (١) فلم يصلوا إلى ما ابتغوا حتّى ألّف الله بين قلوبهم بالإسلام فصاروا بذلك التّأليف بمنزلة الإخوان.
والإخوان جمع الأخ ، مثل الإخوة ، وقيل : يختصّ الإخوان بالأخ المجازي والإخوة بالأخ الحقيقي ، وليس بصحيح قال تعالى : (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) [النور : ٦١] وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات : ١٠] وليس يصحّ أن يكون للمعنى المجازي صيغة خاصّة في الجمع أو المفرد وإلا لبطل كون اللّفظ مجازا وصار مشتركا ، لكن للاستعمال أن يغلّب إطلاق إحدى الصيغتين الموضوعتين لمعنى واحد فيغلّبها في المعنى المجازي والأخرى في الحقيقي.
وقد امتنّ الله عليهم بتغيير أحوالهم من أشنع حالة إلى أحسنها : فحالة كانوا عليها هي حالة العداوة والتّفاني والتقاتل ، وحالة أصبحوا عليها وهي حالة الأخوّة ولا يدرك الفرق بين الحالتين إلا من كانوا في السّوأى فأصبحوا في الحسنى ، والنّاس إذا كانوا في حالة بؤس وضنك واعتادوها صار الشقاء دأبهم ، وذلّت له نفوسهم فلم يشعروا بما هم فيه ، ولا يتفطّنوا لوخيم عواقبه ، حتّى إذا هيّئ لهم الصّلاح ، وأخذ يتطرّق إليهم استفاقوا من شقوتهم ، وعلموا سوء حالتهم ، ولأجل هذا المعنى جمعت لهم هذه الآية في الامتنان بين ذكر الحالتين وما بينهما فقالت : (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
__________________
ـ العم من بطن واحد أعداء متغالبين على المواريث والسؤدد ، قال أرطأة بن سهية الذبياني من شعراء الأموية : ونحن بنو عم على ذات بيننا* زرابي فيها بغضة وتنافس
(١) مثل خطاب شيوخ بني أسد لامرئ القيس حين عزم على قتالهم أخذا بثأره.
ومثل توسط هرم بن سنان والحارث بن عوف.
وقال زهير :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ...
الأبيات.
وقال النابغة :
ألا يا ليتني والمرء ميت ...
الأبيات.