فرضه ، إن كان قد فرض عليهم من قبل.
والخطاب في قوله (كُنْتُمْ) إمّا لأصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم ونقل ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن عبّاس. قال عمر : هذه لأوّلنا ولا تكون لآخرنا. وإضافة خير إلى أمّة من إضافة الصفة إلى الموصوف : أي كنتم أمّة خير أمّة أخرجت للنّاس ، فالمراد بالأمّة الجماعة ، وأهل العصر النبوي ، مثل القرن ، وهو إطلاق مشهور ومنه قوله تعالى : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] أي بعد مدة طويلة كمدة عصر كامل. ولا شكّ أن الصحابة كانوا أفضل القرون التي ظهرت في العالم ، لأن رسولهم أفضل الرسل ، ولأن الهدى الذي كانوا عليه لا يماثله هدى أصحاب الرسل الذين مضوا ، فإن أخذت الأمة باعتبار الرسول فيها فالصحابة أفضل أمة من الأمم مع رسولها ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «خير القرون قرني». والفضل ثابت للجموع على المجموع ، وإن أخذت الأمة من عدا الرسول ، فكذلك الصحابة أفضل الأمم التي مضت بدون رسلها ، وهذا تفضيل للهدى الذي اهتدوا به ، وهو هدى رسولهم محمد صلىاللهعليهوسلم وشريعته.
وإمّا أن يكون الخطاب بضمير (كُنْتُمْ) للمسلمين كلّهم في كلّ جيل ظهروا فيه ، ومعنى تفضيلهم بالأمر بالمعروف مع كونه من فروض الكفايات لا تقوم به جميع أفراد الأمّة لا يخلو مسلم من القيام بما يستطيع القيام به من هذا الأمر ، على حسب مبلغ العلم ومنتهى القدرة ، فمن التغيير على الأهل والولد ، إلى التغيير على جميع أهل البلد ، أو لأن وجود طوائف القائمين بهذا الأمر في مجموع الأمّة أوجب فضيلة لجميع الأمّة ، لكون هذه الطوائف منها كما كانت القبيلة تفتخر بمحامد طوائفها ، وفي هذا ضمان من الله تعالى بأنّ ذلك لا ينقطع من المسلمين إن شاء الله تعالى.
وفعل (كان) يدل على وجود ما يسند إليه في زمن مضى ، دون دلالة على استمرار ، ولا على انقطاع ، قال تعالى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦] أي وما زال ، فمعنى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) وجدتم على حالة الأخيرية على جميع الأمم ، أي حصلت لكم هذه الأخيرية بحصول أسبابها ووسائلها ، لأنّهم اتّصفوا بالإيمان ، والدّعوة للإسلام ، وإقامته على وجهه ، والذبّ عنه النقصان والإضاعة لتحقّق أنّهم لمّا جعل ذلك من واجبهم ، وقد قام كلّ بما استطاع ، فقد تحقّق منهم القيام به ، أو قد ظهر منهم العزم على امتثاله ، كلّما سنح سانح يقتضيه ، فقد تحقّق أنهم خير أمّة على الإجمال فأخبر عنهم بذلك. هذا إذا بنينا على كون الأمر في قوله آنفا (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ