قابلية بعضهم في عصر ، أو جهة ، لفهمها بالكنة ومن هذا أحوال القيامة ، وبعض شئون الربوبية كالإتيان في ظلل من الغمام ، والرؤية ، والكلام ، ونحو ذلك.
وثانيتها : معان قصد إشعار المسلمين بها ، وتعيّن إجمالها ، مع إمكان حملها على معان معلومة لكن بتأويلات : كحروف أوائل السور ، ونحو (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥](ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [البقرة : ٢٩](١).
ثالثتها : معان عالية ضاقت عن إيفاء كنهها اللغة الموضوعة لأقصى ما هو متعارف أهلها ، فعبّر عن تلك المعاني بأقصى ما يقرّب معانيها إلى الأفهام ، وهذا مثل أكثر صفات الله نحو الرحمن ، الرءوف ، المتكبّر ، نور السموات والأرض.
رابعتها : معان قصرت عنها الأفهام في بعض أحوال العصور ، وأودعت في القرآن ليكون وجودها معجزة قرآنيّة عند أهل العلم في عصور قد يضعف فيها إدراك الإعجاز النظمي ، نحو قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨](وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢](يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) [الزمر : ٥](وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨](تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠](زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥](وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧](ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] وذكر سدّ يأجوج ومأجوج(٢).
خامستها : مجازات وكنايات مستعملة في لغة العرب ، إلّا أنّ ظاهرها أوهم معاني لا يليق الحمل عليها في جانب الله تعالى : لإشعارها بصفات تخالف كمال الإلهية ، وتوقّف فريق في محملها تنزيها ، نحو : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور : ٤٨](وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧](وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧](٣).
وسادستها : ألفاظ من لغات العرب لم تعرف لدى الذين نزل القرآن بينهم : قريش
__________________
(١) لعل لفعل استوى خصوصية في اللغة أدركها أهل اللسان يومئذ كان بها أجدر بالدلالة على معنى تمكن الخالق من مخلوقه ولذلك اختير في الآيتين دون فعل غلب أو تمكن.
(٢) هذه الآيات دلت على معان عظيمة كشفتها العلوم الطبيعية والرياضية والتاريخية والجغرافية وتفصيلها يحتاج إلى تطويل.
(٣) إذ تطلق العين على الحفظ والعناية قال النابغة ـ عهدتك ترعاني بعين بصيرة ـ وتطلق اليد على القدرة والقوة قال : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ. ويطلق الوجه على الذات تقول : فعلته لوجه زيد.