العصيان وهي أكل الربا. وهو في ضعف ما قبله ، وعندي بادئ ذي بدء أن لا حاجة إلى اطّراد المناسبة ، فإن مدّة نزول السورة قابلة ، لأن تحدث في خلالها حوادث ينزل فيها قرآن فيكون من جملة تلك السورة ، كما بيّناه في المقدّمة الثّامنة ، فتكون هاته الآية نزلت عقب ما نزل قبلها فكتبت هنا ولا تكون بينهما مناسبة إذ هو ملحق إلحاقا بالكلام.
ويتّجه أن يسأل سائل عن وجه إعادة النّهي عن الربا في هذه السورة بعد ما سبق من آيات سورة البقرة ـ بما هو أوفى ممّا في هذه السورة ، فالجواب : أنّ الظاهر أنّ هذه الآية نزلت قبل نزول آية ـ سورة البقرة ـ فكانت هذه تمهيدا لتلك ، ولم يكن النّهي فيها بالغا ما في ـ سورة البقرة ـ وقد روي أن آية البقرة نزلت بعد أن حرّم الله الربا وأن ثقيفا قالوا : كيف ننهى عن الربا ، وهو مثل البيع ، ويكون وصف الربا ب (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) نهيا عن الربا الفاحش وسكت عمّا دون ذلك ممّا لا يبلغ مبلغ الأضعاف ، ثمّ نزلت الآية الّتي في ـ سورة البقرة ـ ويحتمل أن يكون بعض المسلمين داين بعضا بالمراباة عقب غزوة أحد فنزل تحريم الرّبا في مدّة نزول قصّة تلك الغزوة. وتقدّم الكلام على معنى أكل الرّبا ، وعلى معنى الربا ، ووجه تحريمه ، ـ في سورة البقرة ـ.
وقوله : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) حال من (الرِّبَوا) والأضعاف جمع ضعف ـ بكسر الضّاد ـ وهو معادل الشيء في المقدار إذا كان الشيء ومماثله متلازمين ، لا تقول : عندي ضعف درهمك ، إذ ليس الأصل عندك ، بل يحسن أن تقول : عندي درهمان ، وإنّما تقول : عندي درهم وضعفه ، إذا كان أصل الدرهم عندك ، وتقول : لك درهم وضعفه ، إذا فعلت كذا.
والضعف يطلق على الواحد إذا كان غير معرّف بال نحو ضعفه ، فإذا أريد الجمع جيء به بصيغة الجمع كما هنا ، وإذا عرف الضعف بال صحّ اعتبار العهد واعتبار الجنس ، كقوله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) [سبأ : ٣٧] فإن الجزاء أضعاف ، كما جاء في الحديث إلى سبعمائة ضعف.
وقوله : (مُضاعَفَةً) صفة للأضعاف أي هي أضعاف يدخلها التّضعيف ، وذلك أنّهم كانوا إذا داينوا أحدا إلى أجل داينوه بزيادة ، ومتى أعسر عند الأجل أو رام التأخير زاد مثل تلك الزيادة ، فيصير الضعف ضعفا ، ويزيد ، وهكذا ، فيصدق بصورة أن يجعلوا الدّين مضاعفا بمثله إلى الأجل ، وإذا ازداد أجلا ثانيا زاد مثل جميع ذلك ، فالأضعاف من أوّل التداين للأجل الأوّل ، ومضاعفتها في الآجال الموالية ، ويصدق بأن يداينوا بمراباة دون مقدار الدّين ثمّ تزيد بزيادة الآجال ، حتّى يصير الدّين أضعافا ، وتصير الأضعاف أضعافا ،