المقصد.
ولقد قضى المسلمون قرونا طويلة لم يروا أنفسهم فيها محتاجين إلى التعامل بالرّبا ، ولم تكن ثروتهم أيّامئذ قاصرة عن ثروة بقية الأمم في العالم ، أزمان كانت سيادة العالم بيدهم ، أو أزمان كانوا مستقلّين بإدارة شئونهم ، فلمّا صارت سيادة العالم بيد أمم غير إسلامية ، وارتبط المسلمون بغيرهم في التّجارة والمعاملة ، وانتظمت سوق الثّروة العالمية على قواعد القوانين الّتي لا تتحاشى المراباة في المعاملات ، ولا تعرف أساليب مواساة المسلمين ، دهش المسلمون ، وهم اليوم يتساءلون ، وتحريم الربا في الآية صريح ، وليس لما حرّمه الله مبيح. ولا مخلص من هذا المضيق إلا أن تجعل الدول الإسلامية قوانين مالية تبنى على أصول الشريعة في المصارف ، والبيوع ، وعقود المعاملات المركبة من رءوس الأموال وعمل العمّال. وحوالات الديون ومقاصّتها وبيعها. وهذا يقضي بإعمال أنظار علماء الشريعة والتدارس بينهم في مجمع يحوي طائفة من كلّ فرقة كما أمر الله تعالى.
وقد تقدّم ذكر الربا والبيوع الربوية عند تفسير قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) الآيات الخمس من سورة البقرة [٢٧٥].
وقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) تحذير وتنفير من النّار وما يوقع فيها ، بأنّها معدودة للكافرين وإعدادها للكافرين. عدل من الله تعالى وحكمة لأنّ ترتّب الأشياء على أمثالها من أكبر مظاهر الحكمة ، ومن أشركوا بالله مخلوقاته ، فقد استحقّوا الحرمان من رحماته ، والمسلمون لا يرضون بمشاركة الكافرين لأنّ الإسلام الحقّ يوجب كراهية ما ينشأ عن الكفر. وذاك تعريض واضح في الوعيد على أخذ الربا.
ومقابل هذا التنفير الترغيب الآتي في قوله : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] ، والتّقوى أعلى درجات الإيمان.
وتعريف النار بهذه الصّلة يشعر بأنّه قد شاع بين المسلمين هذا الوصف للنّار بما في القرآن من نحو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) [التحريم : ٦] ، وقوله : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) [الشعراء : ٩١] الآية.
[١٣٣ ، ١٣٤] (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ