«النّدم توبة» ، وأما تدارك ما فرّط فيه بسبب الذنب فإنّما يكون مع الإمكان ، وفيه تفصيل إذا تعذّر أو تعسّر ، وكيف يؤخذ بأقصى ما يمكن من التدارك.
وقوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) حال من الضّمير المرفوع في «ذكروا» أي : ذكروا الله في حال عدم الإصرار. والإصرار : المقام على الذنب ، ونفيه هو معنى الإقلاع. وقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال ثانية ، وحذف مفعول يعلمون لظهوره من المقام أي يعلمون سوء فعلهم ، وعظم غضب الربّ ، ووجوب التوبة إليه ، وأنّه تفضّل بقبول التّوبة فمحا بها الذنوب الواقعة.
وقد انتظم من قوله : (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا) وقوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا) وقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الأركان الثلاثة الّتي ينتظم منها معنى التّوبة في كلام أبي حامد الغزالي في كتاب التّوبة من «إحياء علوم الدّين» إذ قال : «وهي علم ، وحال ، وفعل. فالعلم هو معرفة ضرّ الذنوب ، وكونها حجابا بين العبد وبين ربّه ، فإذا علم ذلك بيقين ثار من هذه المعرفة تألّم للقلب بسبب فوات ما يحبّه من القرب من ربّه ، ورضاه عنه ، وذلك الألم يسمّى ندما ، فإذا غلب هذا الألم على القلب انبعثت منه في القلب حالة تسمّى إرادة وقصدا إلى فعل له تعلّق بالحال والماضي والمستقبل ، فتعلّقه بالحال هو ترك الذنب (الإقلاع) ، وتعلّقه بالمستقبل هو العزم على ترك الذنب في المستقبل (نفي الإصرار) ، وتعلّقه بالماضي بتلافي ما فات».
فقوله تعالى : (ذَكَرُوا اللهَ) إشارة إلى انفعال القلب.
وقوله : (وَلَمْ يُصِرُّوا) إشارة إلى الفعل وهو الإقلاع ونفي العزم على العودة.
وقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) إشارة إلى العلم المثير للانفعال النفساني. وقد رتّبت هاته الأركان في الآية بحسب شدّة تعلّقها بالمقصود : لأنّ ذكر الله يحصل بعد الذنب ، فيبعث على التّوبة ، ولذلك رتّب الاستغفار عليه بالفاء ، وأمّا العلم بأنّه ذنب ، فهو حاصل من قبل حصول المعصية ، ولو لا حصوله لما كانت الفعلة معصية. فلذلك جيء به بعد الذكر ونفي الإصرار ، على أنّ جملة الحال لا تدلّ على ترتيب حصول مضمونها بعد حصول مضمون ما جيء به قبلها في الأخبار والصّفات.
ثمّ إن كان الإصرار ، وهو الاستمرار على الذنب ، كما فسّر به كان نفيه بمعنى الإقلاع لأجل خشية الله تعالى ، فلم يدلّ على أنّه عازم على عدم العود إليه ، ولكنّه بحسب