وقول امرئ القيس : (من كان في العصر الخالي) وقصر محمدا على وصف الرسالة قصر موصوف على الصفة. قصرا إضافيا ، لردّ ما يخالف ذلك ردّ إنكار ، سواء كان قصر قلب أو قصر إفراد.
والظاهر أنّ جملة (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) صفة «لرسول» ، فتكون هي محطّ القصر : أي ما هو إلّا رسول موصوف بخلوّ الرسل قبله أي انقراضهم. وهذا الكلام مسوق لردّ اعتقاد من يعتقد انتفاء خلوّ الرسل من قبله ، وهذا الاعتقاد وإن لم يكن حاصلا لأحد من المخاطبين ، إلّا أنّهم لمّا صدر عنهم ما من شأنه أن يكون أثرا لهذا الاعتقاد ، وهو عزمهم على ترك نصرة الدّين والاستسلام للعدوّ كانوا أحرياء بأن ينزلوا منزلة من يعتقد انتفاء خلوّ الرسل من قبله ، حيث يجدون أتباعهم ثابتين على مللهم حتّى الآن فكان حال المخاطبين حال من يتوهّم التلازم بين بقاء الملّة وبقاء رسولها ، فيستدلّ بدوام الملّة على دوام رسولها ، فإذا هلك رسول ملّة ظنّوا انتهاء شرعه وإبطال اتّباعه.
فالقصر على هذا الوجه قصر قلب ، وهو قلب اعتقادهم لوازم ضدّ الصّفة المقصور عليها ، وهي خلوّ الرسل قبله ، وتلك اللوازم هي الوهن والتردّد في الاستمرار على نشر دعوة الإسلام ، وبهذا يشعر كلام صاحب «الكشّاف».
وجعل السكاكي المقصور عليه هو وصف الرسالة فيكون محطّ القصر هو قوله : «رسول» دون قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ويكون القصر قصر إفراد بتنزيل المخاطبين منزلة من اعتقد وصفه بالرسالة مع التنزّه عن الهلاك ، حين رتّبوا على ظنّ موته ظنونا لا يفرضها إلّا من يعتقد عصمته من الموت ، ويكون قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) على هذا الوجه استئنافا لا صفة ، وهو بعيد ، لأنّ المخاطبين لم يصدر منهم ما يقتضي استبعاد خبر موته ، بل هم ظنّوه صدقا.
وعلى كلا الوجهين فقد نزّل المخاطبون منزلة من يجهل قصر الموصوف على هذه الصفة وينكره ، فلذلك خوطبوا بطريق النّفي والاستثناء ، الّذي كثر استعماله في خطاب من يجهل الحكم المقصور عليه وينكره دون طريق ، إنّما كما بيّنه صاحب «المفتاح».
وقوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) عطف على قوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) إلخ ... والفاء لتعقيب مضمون الجملة المعطوف عليها بمضمون الجملة المعطوفة ، ولمّا كان مضمون الجملة المعطوفة إنشاء الاستفهام الإنكاري على مضمونها ، وهو الشرط وجزاؤه ، لم يكن للتعقيب المفاد من فاء العطف معنى إلّا ترتّب مضمون