والشافعية ، وابن فورك ، والشيخ أحمد القرطبي ، وابن عطية ، وعلى هذا فليس في القرآن آية استأثر الله بعلمها. ويؤيّد هذا أن الله أثبت للراسخين في العلم فضيلة. ووصفهم بالرسوخ ، فآذن بأنّ لهم مزية في فهم المتشابه : لأنّ المحكم يستوي في علمه جميع من يفهم الكلام ، ففي أيّ شيء رسوخهم ، وحكى إمام الحرمين ، عن ابن عباس : أنّه قال في هاته الآية : «أنا ممّن يعلم تأويله».
وقيل : الوقف على قوله : (إِلَّا اللهُ) وإنّ جملة (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مستأنفة ، وهذا مروي عن جمهور السلف ، وهو قول ابن عمر ، وعائشة ، وابن مسعود ، وأبي ، ورواه أشهب عن مالك في جامع العتبية ، وقاله عروة بن الزبير ، والكسائي ، والأخفش والفرّاء ، والحنفية ، وإليه مال فخر الدين.
ويؤيّد الأول وصفهم بالرسوخ في العلم ؛ فإنّه دليل بيّن على أنّ الحكم الذي أثبت لهذا الفريق ، هو حكم من معنى العلم والفهم في المعضلات ، وهو تأويل المتشابه ، على أنّ أصل العطف هو عطف المفردات دون عطف الجمل ، فيكون الراسخون معطوفا على اسم الجلالة فيدخلون في أنّهم يعلمون تأويله. ولو كان الراسخون مبتدأ وجملة : «يقولون آمنّا به» خبرا ، لكان حاصل هذا الخبر ممّا يستوي فيه سائر المسلمين الذين لا زيغ في قلوبهم ، فلا يكون لتخصيص الراسخين فائدة. قال ابن عطية : «تسميتهم راسخين تقتضي أنّهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب ، وفي أيّ شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلّا ما يعلمه الجميع وما الرسوخ إلّا المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدة» وما ذكرناه وذكره ابن عطية لا يعد وأن يكون ترجيحا لأحد التفسيرين ، وليس إبطالا لمقابله إذ قد يوصف بالرسوخ من يفرق بين ما يستقيم تأويله ، وما لا مطمع في تأويله.
وفي قوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) إشعار بأنّ الراسخين يعلمون تأويل المتشابه.
واحتجّ أصحاب الرأي الثاني ، وهو رأي الوقف على اسم الجلالة : بأنّ الظاهر أن يكون جملة (والراسخون) مستأنفة لتكون معادلا لجملة : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ، والتقدير : وأمّا الراسخون في العلم. وأجاب التفتازاني بأنّ المعادل لا يلزم أن يكون مذكورا ، بل قد يحذف لدلالة الكلام عليه. واحتجّوا أيضا بقوله تعالى : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) قال الفخر : لو كانوا عالمين بتأويله لم يكن لهذا الكلام فائدة ؛ إذ