(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ) عطف على قوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) [آل عمران : ١٥١] وهذا عود إلى التّسلية على ما أصابهم ، وإظهار لاستمرار عناية الله تعالى بالمؤمنين ، ورمز إلى الثقة بوعدهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين ، وتبيين لسبب هزيمة المسلمين : تطمينا لهم بذكر نظيره ومماثله السابق ، فإنّ لذلك موقعا عظيما في الكلام على حدّ قولهم (التّاريخ يعيد نفسه) وليتوسّل بذلك إلى إلقاء تبعة الهزيمة عليهم ، وأنّ الله لم يخلفهم وعده ، ولكن سوء صنيعهم أوقعهم في المصيبة كقوله : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩].
وصدق الوعد : تحقيقه والوفاء به ، لأنّ معنى الصدق مطابقة الخبر للواقع ، وقد عدّي صدق هنا إلى مفعولين ، وحقّه أن لا يتعدّى إلا إلى مفعول واحد. قال الزمخشري في قوله تعالى ـ في سورة الأحزاب [٢٣] ـ : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ـ يقال : صدقني أخوك وكذبني إذا قال لك الصدق والكذب ، وأمّا المثل (صدقني سنّ بكره) فمعناه صدقني في سنّ بكره بطرح الجارّ وإيصال الفعل. فنصب (وَعْدَهُ) هنا على الحذف والإيصال ، وأصل الكلام صدقكم في وعده ، أو على تضمين صدق معنى أعطى.
والوعد هنا وعد النصر الواقع بمثل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] أو بخبر خاصّ في يوم أحد.
وإذن الله بمعنى التقدير وتيسير الأسباب.
و (إذ) في قوله : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) نصب على الظرفية لقوله : (صَدَقَكُمُ) أي : صدقكم الله الوعد حين كنتم تحسّونهم بإذنه فإنّ ذلك الحسّ تحقيق لوعد الله إيّاهم بالنّصر ، و (إذ) فيه للمضيّ ، وأتى بعدها بالمضارع لإفادة التجدّد أي لحكاية تجدّد الحسّ في الماضي.
والحسّ ـ بفتح الحاء ـ القتل أطلقه أكثر اللغويين ، وقيّده في «الكشاف» بالقتل الذريع ، وهو أصوب.
وقوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) (حتّى) حرف انتهاء وغاية ، يفيد أنّ مضمون الجملة الّتي بعدها غاية لمضمون الجملة الّتي قبلها ، فالمعنى : إذ تقتلونهم بتيسير الله ، واستمرّ قتلكم إيّاهم إلى حصول الفشل لكم والتنازع بينكم.
و (حتّى) هنا جارّة و (إذا) مجرور بها.