وهو شيء يكون جزاء على عطاء أو فعل. والغمّ ليس بخير ، فيكون أثابكم إمّا استعارة تهكمية كقول عمرو بن كلثوم :
قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصبح مرادة طحونا |
أي جازاكم الله على ذلك الإصعاد المقارن للصرف أن أثابكم غمّا أي قلقا لكم في نفوسكم ، والمراد أن عاقبكم بغمّ كقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] وفي هذا الوجه بعد : لأنّ المقام مقام ملام لا توبيخ ، ومقام لا تنديم. وإمّا مشاكلة تقديرية لأنّهم لما خرجوا للحرب خرجوا طالبين الثّواب ، فسلكوا مسالك باءوا معها بعقاب فيكون كقول الفرزدق :
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه |
|
أداهم سودا أو محدرجة سمرا (١) |
وقول الآخر :
قلت : اطبخوا لي جبّة قميصا.
ونكتة هذه المشاكلة أن يتوصّل بها إلى الكلام على ما نشأ عن هذا الغمّ من عبرة ، ومن توجّه عناية الله تعالى إليهم بعده.
والباء في قوله : (بِغَمٍ) للمصاحبة أي غمّا مع غمّ ، وهو جملة الغموم الّتي دخلت عليهم من خيبة الأمل في النّصر بعد ظهور بوارقه ، ومن الانهزام ، ومن قتل من قتل ، وجرح من جرح ، ويجوز كون الباء للعوض ، أي : جازاكم الله غمّا في نفوسكم عوضا عن الغمّ الّذي نسبتم فيه للرسول وإن كان الضّمير في قوله : (فَأَثابَكُمْ) عائدا إلى الرسول في قوله : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) ، وفيه بعد ، فالإثابة مجاز في مقابلة فعل الجميل بمثله أي جازاكم بغمّ. والباء في قوله : (بِغَمٍ) باء العوض. والغمّ الأوّل غمّ نفس الرسول ، والغمّ الثّاني غمّ المسلمين ، والمعنى أنّ الرسول اغتمّ وحزن لما أصابكم ، كما اغتممتم لما شاع من قتله فكان غمّه لأجلكم جزاء على غمّكم لأجله.
وقوله : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) تعليل أوّل ل (أثابكم) أي ألهاكم بذلك الغمّ لئلّا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ، وما أصابكم من القتل والجراح ، فهو أنساهم بمصيبة صغيرة مصيبة كبيرة ، وقيل : (لا) زائدة والمعنى : لتحزنوا ، فيكون زيادة في التوبيخ
__________________
(١) محدرجة بحاء مهملة وبجيم بعد الراء أي مفتولة : وهو صفة لموصوف محذوف أراد أسواطا.