أحد الّتي أتت السورة على قصّتها لم يقع فيها غلول ولا كائن للمسلمين فيها غنيمة وما ذكره بعض المفسّرين من قضية غلول وقعت يوم بدر في قطيفة حمراء أو في سيف لا يستقيم هنا لبعد ما بين غزوة بدر وغزوة أحد فضلا على ما ذكره بعضهم من نزول هذه الآية في حرص الأعراب على قسمة الغنائم يوم حنين الواقع بعد غزوة أحد بخمس سنين.
وقرأ جمهور العشرة : يغلّ ـ بضمّ التحتية وفتح الغين ـ وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو وعاصم ـ بفتح التحتية وضمّ الغين ـ.
والفعل مشتقّ من الغلول وهو أخذ شيء من الغنيمة بدون إذن أمير الجيش ، والغلول مصدر غير قياسي ، ويطلق الغلول على الخيانة في المال مطلقا.
وصيغة (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) صيغة جحود تفيد مبالغة النّفي. وقد تقدّم القول فيها عند قوله تعالى : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) [آل عمران : ٧٩] في هذه السورة فإذا استعملت في الإنشاء كما هنا أفادت المبالغة في النّهي. والمعنى على قراءة الجمهور نهي جيش النّبيء عن أن يغلو لأنّ الغلول في غنائم النّبيءصلىاللهعليهوسلم غلول للنّبي ، إذ قسمة الغنائم إليه ، وأمّا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم فمعنى أن النّبيء لا يغلّ أنّه لا يقع الغلول في جيشه فإسناد الغلول إلى النّبيء مجاز عقلي لملابسة جيش النّبيء نبيئهم ولك أن تجعله على تقدير مضاف. والتقدير : ما كان لجيش نبيء أن يغلّ.
ولبعض المفسّرين من المتقدّمين ومن بعدهم تأويلات للمعنى على هذه القراءة فيها سماجة.
ومعنى و (مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أنّه يأتي به مشهّرا مفضوحا بالسرقة.
ومن اللّطائف ما في البيان والتبيين للجاحظ : أنّ مزيدا ـ رجلا من الأعراب ـ سرق نافجة مسك فقيل له : كيف تسرقها وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟ فقال : إذن أحملها طيّبة الريح خفيفة المحمل. وهذا تلميح وتلقي المخاطب بغير ما يترقّب. وقريب منه ما حكي عن عبد الله بن مسعود والدرك على من حكاه قالوا : لمّا بعث إليه عثمان ليسلم مصحفه ليحرقه بعد أن اتّفق المسلمون على المصحف الّذي كتب في عهد أبي بكر قال ابن مسعود : إنّ الله قال : (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ