المناسبة. والمخصوص بالمدح محذوف لتقدّم دليله.
و (الْوَكِيلُ) فعيل بمعنى مفعول أي موكول إليه. يقال : وكل حاجته إلى فلان إذا اعتمد عليه في قضائها وفوّض إليه تحصيلها ، ويقال للذي لا يستطيع القيام بشئونه بنفسه : رجل وكل ـ بفتحتين ـ أي كثير الاعتماد على غيره ، فالوكيل هو القائم بشأن من وكّله ، وهذا القيام بشأن الموكّل يختلف باختلاف الأحوال الموكّل فيها ، وبذلك الاختلاف يختلف معنى الوكيل ، فإن كان القيام في دفع العداء والجور فالوكيل الناصر والمدافع (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام : ٦٦] ، ومنه (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) [النساء : ١٠٩]. ومنه الوكيل في الخصومة ، وإن كان في شئون الحياة فالوكيل الكافل والكافي منه : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) [الإسراء : ٢] كما قال : (قَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) [النحل : ٩١] ولذلك كان من أسمائه تعالى : الوكيل ، وقوله : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ومنه الوكيل على المال ، ولذلك أطلق على هذا المعنى أيضا اسم الكفيل في قوله تعالى : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً). وقد حمل الزمخشري الوكيل على ما يشمل هذا عند قوله تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) في سورة الأنعام [١٠٢] ، فقال : وهو مالك لكلّ شيء من الأرزاق والآجال رقيب على الأعمال. وذلك يدل على أنّ الوكيل اسم جامع للرقيب والحافظ في الأمور التي يعني الناس بحفظها ورقابتها وادّخارها ، ولذلك يتقيّد ويتعمّم بحسب المقامات.
وقوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) تعقيب للإخبار عن ثبات إيمانهم وقولهم : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وهو تعقيب لمحذوف يدلّ عليه فعل (فَانْقَلَبُوا) ، لأنّ الانقلاب يقتضي أنّهم خرجوا للقاء العدوّ الذي بلغ عنهم أنّهم جمعوا لهم ولم يعبئوا بتخويف الشيطان ، والتقدير : فخرجوا فانقلبوا بنعمة من الله.
والباء للملابسة أي ملابسين لنعمة وفضل من الله. فالنعمة هي ما أخذوه من الأموال ، والفضل فضل الجهاد. ومعنى لم يمسسهم سوء لم يلاقوا حربا مع المشركين.
وجملة (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) إمّا استئناف بياني إن جعلت قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) بدلا أو صفة كما تقدّم ، وإمّا خبر عن (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) إن جعلت قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) مبتدأ ، والتقدير : الذين قال لهم الناس إلى آخره إنّما مقالهم يخوّف الشيطان به. ورابط هذه الجملة بالمبتدإ ، وهو (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) على هذا التقدير ، هو اسم الإشارة ، واسم الإشارة مبتدأ.