الأخذ على أيديهم بالهزيمة والقتل كما كان يوم بدر ، يقال : أملى لفرسه إذا أرخى له الطّول في المرعى ، وهو مأخوذ من الملو بالواو وهو سير البعير الشديد ، ثم قالوا : أمليت للبعير والفرس إذا وسّعت له في القيد لأنّه يتمكّن بذلك من الخبب والركض ، فشبّه فعله بشدّة السير ، وقالوا : أمليت لزيد في غيّه أي تركته : على وجه الاستعارة ، وأملى الله لفلان أخّر عقابه ، قال تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف : ١٨٣] واستعير التملّي لطول المدّة تشبيها للمعقول بالمحسوس فقالوا : ملّأك الله حبيبك تملية ، أي أطال عمرك معه.
وقوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) (أنّ) أخت (إنّ) المكسورة الهمزة ، و (ما) موصولة وليست الزائدة ، وقد كتبت في المصحف كلمة واحدة كما تكتب إنّما المركبة من (إن) أخت (أنّ) و (ما) الزائدة الكافّة ، التي هي حرف حصر بمعنى (ما) و (إلّا) ، وكان القياس أن تكتب مفصولة وهو اصطلاح حدث بعد كتابة المصاحف لم يكن مطّردا في الرسم القديم ، على هذا اجتمعت كلمات المفسّرين من المتقدّمين والمتأخّرين. وأنا أرى أنّه يجوز أن يكون (أنّما) من قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) هي أنّما أخت إنّما المكسورة وأنّها مركّبة من (أنّ) و (ما) الكافّة الزائدة وأنها طريق من طرق القصر عند المحقّقين ، وأنّ المعنى : ولا يحسبنّ الذين كفروا انحصار إمهالنا لهم في أنّه خير لهم لأنّهم لمّا فرحوا بالسلامة من القتل وبالبقاء بقيد الحياة قد أضمروا في أنفسهم اعتقاد أنّ بقاءهم ما هو إلّا خير لهم لأنّهم يحسبون القتل شرّا لهم ، إذ لا يؤمنون بجزاء الشهادة في الآخرة لكفرهم بالبعث. فهو قصر حقيقي في ظنّهم.
ولهذا يكون رسمهم كلمة (أنّما) المفتوحة الهمزة في المصحف جاريا على ما يقتضيه اصطلاح الرسم. و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) هو بدل اشتمال من (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فيكون سادّا مسدّ المفعولين ، لأنّ المبدل منه صار كالمتروك ، وسلكت طريقة الإبدال لما فيه من الإجمال ، ثمّ التفصيل ، لأنّ تعلّق الظنّ بالمفعول الأول يستدعي تشوّف السامع للجهة التي تعلّق بها الظنّ ، وهي مدلول المفعول الثاني ، فإذا سمع ما يسدّ مسدّ المفعولين بعد ذلك تمكّن من نفسه فضل تمكّن وزاد تقريرا.
وقوله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) استئناف واقع موقع التعليل للنهي عن حسبان الإملاء خيرا ، أي ما هو بخير لأنّهم يزدادون في تلك المدّة إثما.
و (إنما) هذه كلمة مركّبة من (إنّ) حرف التوكيد و (ما) الزائدة الكافّة وهي أداة حصر أي : ما نملي لهم إلّا ليزدادوا إثما ، أي فيكون أخذهم به أشدّ فهو قصر قلب.