حسنه أنّ المعاد غير مذكور فلا يهتدي إليه بضمير النصب ، بخلاف ضمير الرفع لأنّه كالعمدة في الكلام ، وعلى كلّ تقدير فالضمير عائد على البخل المستفاد من (يَبْخَلُونَ) ، مثل (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، ومثل قوله :
إذا نهي السفيه جرى إليه |
|
وخالف والسفيه إلى خلاف |
ثم إذا كان ضمير فصل فأحد مفعولي حسب محذوف اختصارا لدلالة ضمير الفصل عليه ، فعلى قراءة الفوقية فالمحذوف مضاف حلّ المضاف إليه محلّه ، أي لا تحسبنّ الذين يبخلون خيرا وعلى قراءة التحتيّة : ولا يحسبنّ الذين يبخلون بخلهم خيرا.
والبخل ـ بضم الباء وسكون الخاء ـ ويقال : بخل بفتحهما ، وفعله في لغة أهل الحجاز مضموم العين في الماضي والمضارع. وبقية العرب تجعله بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ، وبلغة غير أهل الحجاز جاء القرآن لخفّة الكسرة والفتحة ولذا لم يقرأ إلّا بها. وهو ضدّ الجود ، فهو الانقباض عن إعطاء المال بدون عوض ، هذا حقيقته ، ولا يطلق على منع صاحب شيء غير مال أن ينتفع غيره بشيئه بدون مضرّة عليه إلّا مجازا ، وقد ورد في أثر عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «البخيل الذي أذكر عنده فلا يصلّي عليّ» ويقولون : بخلت العين بالدموع ، ويرادف البخل الشحّ ، كما يرادف الجود السخاء والسماح. وقوله : (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) تأكيد لنفي كونه خيرا ، كقول امرئ القيس :
«وتعطو برخص غير ششن»
وهذا كثير في كلام العرب ، على أنّ في هذا المقام إفادة نفي توهّم الواسطة بين الخير والشرّ.
وجملة (سَيُطَوَّقُونَ) واقعة موقع العلّة لقوله : (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ).
ويطوّقون يحتمل أنه مشتقّ من الطاقة ، وهي تحمّل ما فوق القدرة أي سيحملون ما بخلوا به ، أي يكون عليهم وزرا يوم القيامة ، والأظهر أنّه مشتقّ من الطّوق ، وهو ما يلبس تحت الرقبة فوق الصدر ، أي تجعل أموالهم أطواقا يوم القيامة فيعذّبون بحملها ، وهذا كقولهصلىاللهعليهوسلم : «من اغتصب شبرا من أرض طوّقه من سبع أرضين يوم القيامة». والعرب يقولون في أمثالهم تقلّدها (أي الفعلة الذميمة) طوق الحمامة. وعلى كلا الاحتمالين فالمعنى أنّهم يشهّرون بهذه المذمّة بين أهل المحشر ، ويلزمون عقاب ذلك. وقوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تذييل لموعظة الباخلين وغيرهم : بأنّ المال مال الله ، وما من