وقرأ الجمهور (سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ) بنون العظمة من (سنكتب) وبنصب اللام من (قتلهم) على أنّه مفعول (نكتب) و (نقول) بنون. وقرأه حمزة : سيكتب ـ بياء الغائب مضمومة وفتح المثناة الفوقية ـ مبنيّا للنائب لأنّ فاعل الكتابة معلوم وهو الله تعالى ، وبرفع اللام من (قتلهم) على أنه نائب الفاعل. (ويقول) بياء الغائب ، والضمير عائد الى اسم الجلالة في قوله : (إِنَّ اللهَ).
وعطف قوله : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) زيادة في مذمّتهم بذكر مساوي أسلافهم ، لأنّ الذين قتلوا الأنبياء هم غير الذين قالوا : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) بل هم من أسلافهم ، فذكر هنا ليدلّ على أنّ هذه شنشنة قديمة فيهم ، وهي الاجتراء على الله ورسله ، واتّحاد الضمائر مع اختلاف المعاد طريقة عربية في المحامد والمذامّ التي تناط بالقبائل. قال الحجّاج في خطبته بعد يوم دير الجماجم يخاطب أهل العراق : ألستم أصحابي بالأهواز حين أضمرتم الشرّ واستبطنتم الكفر إلى أن قال : ثمّ يوم الزاوية وما يوم الزاوية .. إلخ ، مع أنّ فيهم من مات ومن طرأ بعد.
وقوله : (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) عطف أثر الكتب على الكتب أي سيجازون عن ذلك بدون صفح ، (وَنَقُولُ ذُوقُوا) وهو أمر الله بأن يدخلوا النار.
والذوق حقيقته إدراك الطّعوم ، واستعمل هنا مجازا مرسلا في الإحساس بالعذاب فعلاقته الإطلاق ، ونكتته أنّ الذوق في العرف يستتبع تكرّر ذلك الإحساس لأنّ الذوق يتبعه الأكل ، وبهذا الاعتبار يصحّ أن يكون «ذوقوا» استعارة.
وقد شاع في كلام العرب إطلاق الذوق على الإحساس بالخير أو بالشرّ ، وورد في القرآن كثيرا.
والإشارة في قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) للعذاب المشاهد يومئذ ، وفيه تهويل للعذاب. والباء للسببية على أنّ هذا العذاب لعظم هوله ممّا يتساءل عن سببه. وعطف قوله: (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) على مجرور الباء ، ليكون لهذا العذاب سببان : ما قدّمته أيديهم ، وعدل الله تعالى ، فما قدّمت أيديهم أوجب حصول العذاب ، وعدل الله أوجب كون هذا العذاب في مقداره المشاهد من الشدّة حتّى لا يظنّوا أن في شدّته إفراطا عليهم في التعذيب.
[١٨٣ ، ١٨٤]
(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا