فَبِإِذْنِ اللهِ) [آل عمران : ١٦٦] وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) [آل عمران : ١٥٦] الآية. وبيّن لهم أنّ قتلى المؤمنين الذين حزنوا لهم إنّما هم أحياء ، وأنّ المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم لا يضيع الله أجرهم ولا فضل ثباتهم ، وبيّن لهم أنّ سلامة الكفّار لا ينبغي أن تحزن المؤمنين ولا أن تسرّ الكافرين ، وأبطل في خلال ذلك مقال المنافقين بقوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] وبقوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) [آل عمران : ١٦٨] إلى قوله : (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ١٦٨] ختم ذلك كلّه بما هو جامع للغرضين في قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لأنّ المصيبة والحزن إنّما نشئا على موت من استشهد من خيرة المؤمنين ، يعني أنّ الموت لمّا كان غاية كلّ حيّ فلو لم يموتوا اليوم لماتوا بعد ذلك فلا تأسفوا على موت قتلاكم في سبيل الله ، ولا يفتنكم المنافقون بذلك ، ويكون قوله بعده : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قصر قلب لتنزيل المؤمنين فيما أصابهم من الحزن على قتلاهم وعلى هزيمتهم ، منزلة من لا يترقّب من عمله إلّا منافع الدنيا وهو النصر والغنيمة ، مع أنّ نهاية الأجر في نعيم الآخرة ، ولذلك قال : (تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) أي تكمل لكم ، وفيه تعريض ، بأنّهم قد حصلت لهم أجور عظيمة في الدنيا على تأييدهم للدين: منها النصر يوم بدر ، ومنها كفّ أيدي المشركين عنهم في أيام مقامهم بمكّة إلى أن تمكّنوا من الهجرة.
والذوق هنا أطلق على وجدان الموت ، تقدّم بيان استعماله عند قوله آنفا : (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) [آل عمران : ١٨١] وشاع إطلاقه على حصول الموت ، قال تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) [الدخان : ٥٦] ويقال ذاق طعم الموت.
والتوفية : إعطاء الشيء وافيا. ويطلقها الفقهاء على مطلق الإعطاء والتسليم ، والأجور جمع الأجر بمعنى الثواب ، ووجه جمعه مراعاة أنواع الأعمال. ويوم القيامة يوم الحشر سمّي بذلك لأنّه يقوم فيه الناس من خمود الموت إلى نهوض الحياة.
والفاء في قوله : (فَمَنْ زُحْزِحَ) للتفريع على (تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) ، ومعنى : (زُحْزِحَ) أبعد. وحقيقة فعل زحزح أنها جذب بسرعة ، وهو مضاعف زحّه عن المكان إذا جذبه بعجلة.
وإنّما جمع بين (زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) ، مع أنّ في الثاني غنية عن الأوّل ، للدلالة على أنّ دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين : النجاة من النار ، ونعيم الجنّة.