المجاهدين ، وليس الموصول بمعنى لام الاستغراق. وفي «البخاري» : أنّ مروان بن الحكم قال لبوّابه : «اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان كلّ امرئ فرح بما أتى وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذّبا لنعذّبنّ أجمعون» قال ابن عباس : «وما لكم ولهذه إنّما دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يهود ، فسألهم عن شيء فأخبروه بغيره فأروه أنّهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم» ـ ثم قرأ ابن عباس : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [آل عمران : ١٨٧] حتّى قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) [آل عمران : ١٨٨] الآية.
والمفازة : مكان الفوز. وهو المكان الذي من يحلّه يفوز بالسلامة من العدوّ سمّيت البيداء الواسعة مفازة لأنّ المنقطع فيها يفوز بنفسه من أعدائه وطلبة الوتر عنده وكانوا يتطلّبون الإقامة فيها. قال النابغة :
أو أضع البيت في صمّاء مظلمة |
|
تقيّد العير لا يسري بها الساري |
تدافع الناس عنّا حين نركبها |
|
من المظالم تدعى أمّ صبّار |
ولمّا كانت المفازة مجملة بالنسبة للفوز الحاصل فيها بيّن ذلك بقوله : (مِنَ الْعَذابِ). وحرف (من) معناه البدلية ، مثل قوله تعالى : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [الغاشية : ٧] ، أو بمعنى (عن) بتضمين مفازة معنى منجاة.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمور ، وأبو جعفر : لا يحسبنّ الذين يفرحون ـ بالياء التحتية ـ على الغيبة ، وقرأه الباقون ـ بتاء الخطاب ـ.
وأمّا سين (تحسبن) فقرأها ـ بالكسر ـ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو جعفر ، ويعقوب. وقرأها ـ بالفتح ـ الباقون.
وقد جاء تركيب الآية على نظم بديع إذ حذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأوّل لدلالة ما يدلّ عليه وهو مفعول (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) ، والتقدير : لا يحسبنّ الذين يفرحون إلخ أنفسهم. وأعيد فعل الحسبان في قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) [آل عمران : ١٨٨] مسندا إلى المخاطب على طريقة الاعتراض بالفاء وأتي بعده بالمفعول الثاني : وهو (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) [آل عمران : ١٨٨] فتنازعه كلا الفعلين. وعلى قراءة الجمهور : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) [آل عمران : ١٨٨] ـ بتاء الخطاب ـ يكون خطابا لغير معيّن ليعمّ كلّ مخاطب ، ويكون قوله : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) اعتراضا بالفاء أيضا والخطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم مع ما في حذف