على حصول قبول الأعمال التي وعد الله عليها بما سألوه فقد يظنّون أنفسهم آتين بما يبلّغهم تلك المرتبة ويخشون لعلّهم قد خلطوا أعمالهم الصالحة بما يبطلها ، ولعلّ هذا هو السبب في مجيء الواو في قولهم : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) دون الفاء إذ جعلوه دعوة مستقلّة لتتحقّق ويتحقّق سببها ، ولم يجعلوها نتيجة فعل مقطوع بحصوله. ويدلّ لصحّة هذا التأويل قوله بعد : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) [آل عمران : ١٩٥] مع أنّهم لم يطلبوا هنا عدم إضاعة أعمالهم.
الثاني : قال في «الكشّاف» : أرادوا طلب التوفيق إلى أسباب ما وعدهم الله على رسله. فالكلام مستعمل كناية عن سبب ذلك من التوفيق للأعمال الموعود عليها.
الثالث : قال فيه ما حاصله : أن يكون هذا من باب الأدب مع الله حتّى لا يظهروا بمظهر المستحقّ لتحصيل الموعود به تذلّلا ، أي كسؤال الرسل عليهمالسلام المغفرة وقد علموا أنّ الله غفر لهم.
الرابع : أجاب القرافي في الفرق (٢٧٣) بأنّهم سألوا ذلك لأنّ حصوله مشروط بالوفاة على الإيمان ، وقد يؤيّد هذا بأنّهم قدّموا قبله قولهم : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) لكن هذا الجواب يقتضي قصر الموعود به على ثواب الآخرة ، وأعادوا سؤال النجاة من خزي يوم القيامة لشدّته عليهم.
الخامس : أنّ الموعود الذي سألوه هو النصر على العدوّ خاصّة ، فالدعاء بقولهم : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) مقصود منه تعجيل ذلك لهم ، يعني أنّ الوعد كان لمجموع الأمّة ، فكلّ واحد إذا دعا بهذا فإنّما يعني أن يجعله الله ممّن يرى مصداق وعد الله تعالى خشية أن يفوتهم. وهذا كقول خبّاب بن الأرتّ : هاجرنا مع النبي نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ، ومنّا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم نجد له ما نكفّنه إلّا بردة» إلخ.
وقد ابتدءوا دعاءهم وخلّلوه بندائه تعالى : خمس مرات إظهار للحاجة إلى إقبال الله عليهم. وعن جعفر بن محمد رضياللهعنه «من حزبه أمر فقال : يا ربّ خمس مرات أنجاه الله ممّا يخاف وأعطاه ما أراد» ، واقرءوا : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) إلى قوله : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ).
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ