الجيش ، وذلك عمل عظيم به استبقاء نفوس المسلمين ، فهو لا يقصر عن القتال الذي به إتلاف نفوس عدوّ المؤمنين.
وقوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) (من) فيه اتّصالية أي بعض المستجاب لهم متّصل ببعض ، وهي كلمة تقولها العرب بمعنى أنّ شأنهم واحد وأمرهم سواء. قال تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) [التوبة : ٦٧] إلخ ... وقولهم : هو منّي وأنا منه ، وفي عكسه يقولون كما قال النابغة :
فإنّي لست منك ولست منّي
وقد حملها جمهور المفسّرين على معنى أنّ نساءكم ورجالكم يجمعهم أصل واحد ، وعلى هذا فموقع هذه الجملة موقع التعليل للتعميم في قوله : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) أي لأنّ شأنكم واحد ، وكلّ قائم بما لو لم يقم به لضاعت مصلحة الآخر ، فلا جرم أن كانوا سواء في تحقيق وعد الله إيّاهم ، وإن اختلفت أعمالهم وهذا كقوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) [النساء : ٣٢].
والأظهر عندي أن ليس هذا تعليلا لمضمون قوله : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بل هو بيان للتساوي في الأخبار المتعلّقة بضمائر المخاطبين أي أنتم في عنايتي بأعمالكم سواء ، وهو قضاء لحقّ ما لهم من الأعمال الصالحة المتساوين فيها ، ليكون تمهيدا لبساط تمييز المهاجرين بفضل الهجرة الآتي في قوله : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) ، الآيات.
وقوله : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) تفريع عن قوله : (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ) وهو من ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بذلك الخاصّ ، واشتمل على بيان ما تفاضلوا فيه من العمل ، وهو الهجرة التي فاز بها المهاجرون.
والمهاجرة : هي ترك الموطن بقصد استيطان غيره ، والمفاعلة فيها للتقوية كأنّه هجر قومه وهجروه لأنّهم لم يحرصوا على بقائه ، وهذا أصل المهاجرة أن تكون لمنافرة ونحوها ، وهي تصدق بهجرة الذين هاجروا إلى بلاد الحبشة وبهجرة الذين هاجروا إلى المدينة.
وعطف قوله : (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) على (هاجَرُوا) لتحقيق معنى المفاعلة في هاجر أي هاجروا مهاجرة لزّهم إليها قومهم ، سواء كان الإخراج بصريح القول أم بالإلجاء ، من جهة سوء المعاملة ، ولقد هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة لما