المشتهاة على وجه المبالغة في قوة الوصف. وتعليق التزيين بالحبّ جرى على خلاف مقتضى الظاهر ؛ لأنّ المزيّن للناس هو الشهوات ، أي المشتهيات نفسها ، لا حبّها ، فإذا زينت لهم أحبّوها ؛ فإنّ الحبّ ينشأ عن الاستحسان ، وليس الحبّ بمزيّن ، وهذا إيجاز يغني عن أن يقال زينت للناس الشهوات فأحبّوها ، وقد سكت المفسّرون عن وجه نظم الكلام بهذا التعليق.
والوجه عندي إمّا أن يجعل (حُبُّ الشَّهَواتِ) مصدرا نائبا عن مفعول مطلق ، مبيّنا لنوع التزيين : أي زيّن لهم تزيين حب ، وهو أشدّ التزيين ، وجعل المفعول المطلق نائبا عن الفاعل ، وأصل الكلام : زيّن للناس الشهوات حبّا ، فحوّل وأضيف إلى النائب عن الفاعل ، وجعل نائبا عن الفاعل ، كما جعل مفعولا في قوله تعالى : (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) [ص : ٣٢]. وإما أن يجعل حبّ مصدرا بمعنى المفعول ، أي محبوب الشهوات أي الشهوات المحبوبة. وإمّا أن يجعل زين كناية مرادا به لازم التزيين وهو إقبال النفس على ما في المزيّن من المستحسنات مع ستر ما فيه من الأضرار ، فعبّر عن ذلك بالتزيين ، أي تحسين ما ليس بخالص الحسن فإنّ مشتهيات الناس تشتمل على أمور ملائمة مقبولة ، وقد تكون في كثير منها مضارّ ، أشدّها أنّها تشغل عن كمالات كثيرة فلذلك كانت كالشيء المزيّن تغطّى نقائصه بالمزيّنات ، وبذلك لم يبق في تعليق زيّن بحب إشكال.
وحذف فاعل التزيين لخفائه عن إدراك عموم المخاطبين ، لأنّ ما يدل على الغرائز والسجايا ، لما جهل فاعله في متعارف العموم ، كان الشأن إسناد أفعاله للمجهول : كقولهم عني بكذا ، واضطرّ إلى كذا ، لا سيما إذا كان المراد الكناية عن لازم التزيين ، وهو الإغضاء عمّا في المزيّن من المساوي ؛ لأنّ الفاعل لم يبق مقصودا بحال ، والمزيّن في نفس الأمر هو إدراك الإنسان الذي أحبّ الشهوات ، وذلك أمر جبليّ جعله الله في نظام الخلقة قال تعالى : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [يس : ٧٢].
ولما رجع التزيين إلى انفعال في الجبلّة ، كان فاعله على الحقيقة هو خالق هذه الجبلّات ، فالمزيّن هو الله بخلقه لا بدعوته ، وروى مثل هذا عن عمر بن الخطاب ، وإذا التفتنا إلى الأسباب القريبة المباشرة. كان المزيّن هو ميل النفس إلى المشتهى ، أو ترغيب الداعين إلى تناول الشهوات : من الخلّان والقرناء ، وعن الحسن : المزيّن هو الشيطان ، وكأنّه ذهب إلى أنّ التزيين بمعنى التسويل والترغيب بالوسوسة للشهوات الذميمة والفساد ،