وجيء في هاته الصلات بالأفعال المضارعة لتدل على استحضار الحالة الفظية ، وليس المراد إفادة التجدّد ؛ لأنّ ذلك وإن تأتّى في قوله : (يَكْفُرُونَ) لا يتأتّى في قوله : (وَيَقْتُلُونَ) لأنّهم قتلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط في زمن مضى. والمراد من أصحاب هذه الصلات يهود العصر النبوي : لأنّهم الذين توعّدهم بعذاب أليم ، وإنّما حمل هؤلاء تبعة أسلافهم لأنّهم معتقدون سداد ما فعله أسلافهم ، الذين قتلوا زكرياء لأنّه حاول تخليص ابنه يحيى من القتل ، وقتلوا يحيى لإيمانه بعيسى ، وقتلوا النبي أرمياء بمصر ، وقتلوا حزقيال النبي لأجل توبيخه لهم على سوء أفعالهم ، وزعموا أنّهم قتلوا عيسى عليهالسلام ، فهو معدود عليهم بإقرارهم وإن كانوا كاذبين فيه ، وقتل منشا ابن حزقيال ، ملك إسرائيل ، النبي أشعياء : نشره بالمنشار لأنّه نهاه عن المنكر ، بمرأى ومسمع من بني إسرائيل ، ولم يحموه ، فكان هذا القتل معدودا عليهم ، وكم قتلوا ممّن يأمرون بالقسط ، وكل تلك الجرائم معدودة عليهم ؛ لأنّهم رضوا بها ، وألحّوا في وقوعها.
وقوله : (بِغَيْرِ حَقٍ) ظرف مستقر في موضع الحال المؤكّدة لمضمون جملة (يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) إذ لا يكون قتل النبيّين إلّا بغير حق ، وليس له مفهوم لظهور عدم إرادة التقييد والاحتراز ؛ فإنّه لا يقتل نبيء بحق ، فذكر القيد في مثله لا إشكال عليه ، وإنّما يجيء الإشكال في القيد الواقع في حيّز النفي ، إذا لم يكن المقصود تسلّط النفي عليه مثل قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البقرة : ٢٧٣] وقوله : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) وقد تقدم في سورة البقرة [٤١].
والمقصود من هذه الحال زيادة تشويه فعلهم.
ولما كان قوله : (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) مومئا إلى وجه بناء الخبر : وهو أنّهم إنّما قتلوهم لأنّهم يأمرون بالقسط أي بالحق ، فقد اكتفي بها في الدلالة على الشناعة ، فلم تحتج إلى زيادة التشنيع.
وقرأ الجمهور من العشرة (يَقْتُلُونَ) الثاني مثل الأول ـ بسكون القاف ـ وقرأه حمزة وحده «ويقاتلون» ـ بفتح القاف بعدها ـ بصيغة المفاعلة وهي مبالغة في القتل.
والفاء في (فَبَشِّرْهُمْ) فاء الجواب المستعملة في الشرط ، دخلت على خبر إنّ لأنّ اسم إنّ وهو موصول تضمن معنى الشرط ، إشارة إلى أنّه ليس المقصود ، قوما معيّنين ، بل كل من يتّصف بالصلة فجزاؤه أنّ يعلم أنّ له عذابا أليما. واستعمل بشّرهم في معنى أنذرهم تهكّما.