ومعنى : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) : أنشأها إنشاء صالحا ، وذلك في الخلق ونزاهة الباطن ، فشبه إنشاؤها وشبابها بإنبات النبات الغضّ على طريق الاستعارة ، (ونبات) مفعول مطلق لأنبت وهو مصدر نبت وإنما أجري على أنبت للتخفيف.
(وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).
عدّ هذا في فضائل مريم ، لأنه من جملة ما يزيد فضلها لأنّ أبا التربية يكسب خلقه وصلاحه مربّاه.
وزكرياء كاهن إسرائيلي اسمه زكرياء من بني أبيّا بن باكر بن بنيامين من كهنة اليهود ، جاءته النبوءة في كبره وهو ثاني من اسمه زكرياء من أنبياء بني إسرائيل وكان متزوجا امرأة من ذرية هارون اسمها (اليصابات) وكانت امرأته نسيبة مريم كما في إنجيل لوقا قيل : كانت أختها والصحيح أنّها كانت خالتها ، أو من قرابة أمها ، ولما ولدت مريم كان أبوها قد مات فتنازع كفالتها جماعة من أحبار بني إسرائيل حرصا. على كفالة بنت حبرهم الكبير ، واقترعوا على ذلك كما يأتي ، فطارت القرعة لزكرياء ، والظاهر أنّ جعل كفالتها للأحبار لأنّها محررة لخدمة المسجد فيلزم أن تربّى تربية صالحة لذلك.
وقرأ الجمهور : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا ـ بتخفيف الفاء من كفلها ـ أي تولّى كفالتها ، وقرأ حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف : وكفّلها ـ بتشديد الفاء ـ أي أنّ الله جعل زكرياء كافلا لها ، وقرأ الجمهور زكرياء بهمزة في آخره ، ممدودا وبرفع الهمزة. وقرأه حمزة ، والكسائي وحفص عن عاصم ، وخلف : بالقصر ، وقرأه أبو بكر عن عاصم : بالهمز في آخره ونصب الهمزة.
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
دل قوله : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) على كلام محذوف ، أي فكانت مريم ملازمة لخدمة بيت المقدس ، وكانت تتعبد بمكان تتخذه بها محرابا ، وكان زكرياء يتعهد تعبدها فيرى كرامة لها أنّ عندها ثمارا في غير وقت وجود صنفها.
(كُلَّما) مركّبة من (كلّ) الذي هو اسم لعموم ما يضاف هو إليه ، ومن (ما) الظرفية وصلتها المقدّرة بالمصدر ، والتّقدير : كلّ وقت دخول زكرياء عليها وجد عندها رزقا.