فجملة (إِنَّهُ طَغى) تعليل للأمر بالذهاب إليه ، وإنما صلحت للتعليل لأن المراد ذهاب خاص ، وهو إبلاغ ما أمر الله بإبلاغه إليه من تغييره عما هو عليه من عبادة غير الله. ولما علم موسى ذلك لم يبادر بالمراجعة في الخوف من ظلم فرعون ، بل تلقى الأمر وسأل الله الإعانة عليه ، بما يؤول إلى رباطة جأشه وخلق الأسباب التي تعينه على تبليغه ، وإعطائه فصاحة القول للإسراع بالإقناع بالحجة.
وحكي جواب موسى عن كلام الرب بفعل القول غير معطوف جريا على طريقة المحاورات.
ورتّب موسى الأشياء المسئولة في كلامه على حسب ترتيبها في الواقع على الأصل في ترتيب الكلام ما لم يكن مقتض للعدل عنه.
فالشرح ، حقيقته : تقطيع ظاهر شيء ليّن. واستعير هنا لإزالة ما في نفس الإنسان من خواطر تكدره أو توجب تردده في الإقدام على عمل ما تشبيها بتشريح اللحم بجامع التوسعة.
والقلب : يراد به في كلامهم والعقل. فالمعنى : أزل عن فكري الخوف ونحوه ، مما يعترض الإنسان من عقبات تحول بينه وبين الانتفاع بإقدامه وعزامته ، وذلك من العسر ، فسأل تيسير أمره ، أي إزالة الموانع الحافّة بما كلف به.
والأمر هنا : الشأن ، وإضافة (أمر) إلى ضمير المتكلم لإفادة مزيد اختصاصه به وهو أمر الرسالة كما في قوله الآتي (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي).
والتيسير : جعل الشيء يسيرا ، أي ذا يسر. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) في سورة البقرة [١٨٥].
ثم سأل سلامة آلة التبليغ وهو اللسان بأن يرزقه فصاحة التعبير والمقدرة على أداء مراده بأوضح عبارة ، فشبه حبسة اللسان بالعقدة في الحبل أو الخيط ونحوهما لأنها تمنع سرعة استعماله.
والعقدة : موضع ربط بعض الخيط أو الحبل ببعض آخر منه ، وهي بزنة فعلة بمعنى مفعول كقضة وغرفة ؛ أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف على وجه الاستعارة لعدم تصرف اللسان عند النطق بالكلمة وهي استعارة مصرّحة ، ويقال لها حبسة.