وقرأ الجمهور (مِهاداً) ـ بكسر الميم وألف بعد الهاء ـ وهو اسم بمعنى الممهود مثل الفراش واللّباس. ويجوز أن يكون جمع مهد ، وهو اسم لما يمهد للصّبيّ ، أي يوضع عليه ويحمل فيه ، فيكون بوزن كعاب جمعا لكعب. ومعنى الجمع على اعتبار كثرة البقاع.
وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف (مَهْداً) ـ بفتح الميم وسكون الهاء ـ ، أي كالمهد الذي يمهد للصبي ، وهو اسم بمصدر مهده ، على أنّ المصدر بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، ثمّ شاع ذلك فصار اسما لما يمهد.
ومعنى القراءتين واحد ، أي جعل الأرض ممهودة مسهلة للسّير والجلوس والاضطجاع بحيث لا نتوء فيها إلّا نادرا يمكن تجنبه ، كقوله : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) [نوح : ١٩ ، ٢٠].
(وَسَلَكَ) فعل مشتق من السلوك والسّلك الذي هو الدخول مجتازا وقاطعا. يقال: سلك طريقا ، أي دخله مجتازا. ويستعمل مجازا في السّير في الطريق تشبيها للسائر بالشيء الداخل في شيء آخر. يقال : سلك طريقا. فحق هذا الفعل أن يتعدّى إلى مفعول واحد وهو المدخول فيه ، ويستعمل متعديا بمعنى أسلك. وحقه أن يكون تعديه بهمزة التعدية فيقال : أسلك المسمار في اللّوح ، أي جعله سالكا إياه ، إلّا أنّه كثر في الكلام تجريده من الهمزة كقوله تعالى : نسلكه (عَذاباً صَعَداً) [الجنّ : ١٧]. وكثر كون الاسم الذي كان مفعولا ثانيا يصير مجرورا ب (في) كقوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) [المدثر : ٤٢] بمعنى أسلككم سقر. وقوله : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) في سورة الشعراء [٢٠٠] ، وقوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) في سورة الزمر [٢١]. وقال الأعشى :
كما سلك السّكيّ في الباب فيتق
أي أدخل المسمار في الباب نجار ، فصار فعل سلك يستعمل قاصرا ومتعديا.
فأما قوله هنا (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) فهو سلك المتعدي ، أي أسلك فيها سبلا ، أي جعل سبلا سالكة في الأرض ، أي داخلة فيها ، أي متخللة. وذلك كناية عن كثرتها في جهات الأرض.
والمراد بالسبل : كلّ سبيل يمكن السير فيه سواء كان من أصل خلقة الأرض كالسهول والرمال ، أو كان من أثر فعل النّاس مثل الثنايا التي تكرر السير فيها فتعبدت وصارت طرقا يتابع الناس السير فيها.