والخطاب بقوله (وَيْلَكُمْ) يجوز أن يكون أراد به حقيقة الدعاء ، فيكون غير جار على ما أمر به من إلانة القول لفرعون : إما لأن الخطاب بذلك لم يكن مواجها به فرعون بل واجه به السحرة خاصة الذين اقتضاهم قوله تعالى : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) ، أي قال موسى لأهل كيد فرعون ؛ وإما لأنه لما رأى أن إلانة القول له غير نافعة ، إذ لم يزل على تصميمه على الكفر ، أغلظ القول زجرا له بأمر خاص من الله في تلك الساعة تقييدا لمطلق الأمر بإلانة القول ، كما أذن لمحمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآيات في سورة الحج [٣٩] ؛ وإما لأنه لما رأى تمويههم على الحاضرين أنّ سحرهم معجزة لهم من آلهتهم ومن فرعون ربّهم الأعلى وقالوا : (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) [الشعراء : ٤٤] رأى واجبا عليه تغيير المنكر بلسانه بأقصى ما يستطيع ، لأن ذلك التغيير هو المناسب لمقام الرسالة.
ويجوز أن تكون كلمة (وَيْلَكُمْ) مستعملة في التعجب من حال غريبة ، أي أعجب منكم وأحذركم ، كقول النبي صلىاللهعليهوسلم لأبي بصير : «ويل أمه مسعر حرب» فحكى تعجب موسى باللفظ العربي الدال على العجب الشديد.
والويل : اسم للعذاب والشر ، وليس له فعل.
وانتصب (وَيْلَكُمْ) إما على إضمار فعل على التحذير أو الإغراء ، أي الزموا ويلكم ، أو احذروا ويلكم ؛ وإما على إضمار حرف النداء فإنهم يقولون : يا ويلنا ، ويا ويلتنا. وتقدم عند قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) في سورة البقرة [٧٩].
والافتراء : اختلاق الكذب. والجمع بينه وبين (كَذِباً) للتأكيد ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في سورة المائدة [١٠٣].
والافتراء الذي عناه موسى هو ما يخيّلونه للناس من الشعوذة ، ويقولون لهم : انظروا كيف تحرّك الحبل فصار ثعبانا ، ونحو ذلك من توجيه التخيّلات بتمويه أنها حقائق ، أو قولهم : ما نفعله تأييد من الله لنا ، أو قولهم : إن موسى كاذب وساحر ، أو قولهم : إن فرعون إلههم ، أو آلهة فرعون آلهة. وقد كانت مقالات كفرهم أشتاتا.
وقرأ الجمهور (فَيُسْحِتَكُمْ) ـ بفتح الياء ـ مضارع سحته : إذا استأصله ، وهي لغة أهل الحجاز. وقرأه حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ، ورويس عن يعقوب ـ بضم الياء التحتية ـ من أسحته ، وهي لغة نجد وبني تميم ، وكلتا اللغتين فصحى.