تفريع التولّي وجمع الكيد على تعيين موسى للموعد إشارة إلى أن فرعون بادر بالاستعداد لهذا الموعد ولم يضع الوقت للتهيئة له.
والتولّي : الانصراف ، وهو هنا مستعمل في حقيقته ، أي انصرف عن ذلك المجلس إلى حيث يرسل الرسل إلى المدائن لجمع من عرفوا بعلم السحر ، وهذا كقوله تعالى في سورة النازعات [٢٢ ، ٢٣] (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى).
ومعنى جمع الكيد : تدبير أسلوب مناظرة موسى ، وإعداد الحيل لإظهار غلبة السحرة عليه ، وإقناع الحاضرين بأنّ موسى ليس على شيء.
وهذا أسلوب قديم في المناظرات : أن يسعى المناظر جهده للتشهير ببطلان حجّة خصمه بكلّ وسائل التلبيس والتشنيع والتشهير ، ومباداته بما يفتّ في عضده ويشوش رأيه حتّى يذهب منه تدبيره.
فالجمع هنا مستعمل في معنى إعداد الرأي. واستقصاء ترتيب الأمر ، كقوله (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) [يونس : ٧١] ، أي جمع رأيه وتدبيره الذي يكيد به موسى. ويجوز أن يكون المعنى فجمع أهل كيده ، أي جمع السحرة ، على حد قوله تعالى : (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء : ٣٨].
والكيد : إخفاء ما به الضر إلى وقت فعله. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) في سورة الأعراف [١٨٣].
ومعنى (ثُمَّ أَتى) ثمّ حضر الموعد ، وثم للمهلة الحقيقية والرتبية معا ، لأن حضوره للموعد كان بعد مضي مهلة الاستعداد ، ولأن ذلك الحضور بعد جمع كيده أهمّ من جمع الكيد ، لأنّ فيه ظهور أثر ما أعدّه.
وجملة (قالَ لَهُمْ مُوسى) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأنّ قوله (ثُمَّ أَتى) يثير سؤالا في نفس السامع أن يقول : فما ذا حصل حين أتى فرعون ميقات الموعد. وأراد موسى مفاتحة السحرة بالموعظة.
وضمير (لَهُمْ) عائد إلى معلوم من قوله (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) أي بأهل سحر ، أو يكون الخطاب للجميع ، لأنّ ذلك المحضر كان بمرأى ومسمع من فرعون وحاشيته ، فيكون معاد الضمير ما دلّ عليه قوله (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) ، أي جمع رجال كيده.