وفي «التفسير الوجيز» للواحدي سأل إسماعيل القاضي (هو ابن إسحاق بن حمّاد) ابن كيسان عن هذه المسألة ، فقال ابن كيسان : لما لم يظهر في المبهم إعراب في الواحد ولا في الجمع (أي في قولهم هذا وهؤلاء إذ هما مبنيان) جرت التثنية مجرى الواحد إذ التثنية يجب أن لا تغيّر. فقال له إسماعيل : ما حسن هذا لو تقدمك أحد بالقول فيه حتى يؤنس به! فقال له ابن كيسان : فليقل به القاضي حتى يؤنس به ، فتبسم.
وعلى هذا التوجيه يكون قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) حكاية لمقال فريق من المتنازعين ، وهو الفريق الذي قبل هذا الرأي لأنّ حرف الجواب يقتضي كلاما سبقه.
ودخلت اللّام على الخبر : إما على تقدير كون الخبر جملة حذف مبتدؤها وهو مدخول اللام في التقدير ، ووجود اللّام ينبئ بأن الجملة التي وقعت خبرا عن اسم الإشارة جملة قسميّة ؛ وإما على رأي من يجيز دخول اللام على خبر المبتدأ في غير الضرورة.
ووجهت هذه القراءة أيضا بجعل (إنّ) حرف توكيد وإعراب اسمها المثنى جرى على لغة كنانة وبلحارث بن كعب الذين يجعلون علامة إعراب المثنى الألف في أحوال الإعراب كلها ، وهي لغة مشهورة في الأدب العربي ولها شواهد كثيرة منها قول المتلمّس :
فأطرق إطراق الشجاع ولو درى |
|
مساغا لنأباه الشجاع لصمّما |
وقرأه حفص ـ بكسر الهمزة وتخفيف نون (إن) مسكنة ـ على أنها مخففة (إنّ) المشددة. ووجه ذلك أن يكون اسم (إن) المخففة ضمير شأن محذوفا على المشهور. وتكون اللّام في (لَساحِرانِ) اللّام الفارقة بين (إن) المخففة وبين (إن) النافية.
وقرأ ابن كثير ـ بسكون نون (إن) ـ على أنها مخففة من الثقيلة وبإثبات الألف في «هذان» وبتشديد نون (هاذانّ).
وأما قراءة أبي عمرو وحده إن هذين ـ بتشديد نون (إنّ) وبالياء بعد ذال «هذين». فقال القرطبي : هي مخالفة للمصحف. وأقل : ذلك لا يطعن فيها لأنّها رواية صحيحة ووافقت وجها مقبولا في العربيّة.
ونزول القرآن بهذه الوجوه الفصيحة في الاستعمال ضرب من ضروب إعجازه لتجري تراكيبه على أفانين مختلفة المعاني متحدة المقصود. فلا التفات إلى ما روي من ادعاء أن كتابة «إن هذان» خطأ من كاتب المصحف ، وروايتهم ذلك عن أبان بن عثمان بن عفّان