وهو الذي اتّخذه اليهود رأس سنتهم بإذن من الله وسمّوه (تسري) فخرجوا من مدينة (رعمسيس) قاصدين شاطئ البحر الأحمر. وندم فرعون على إطلاقهم فأراد أن يلحقهم ليرجعهم إلى مدينته ، وخرج في مركبته ومعه ستمائة مركبة مختارة ومركبات أخرى تحمل جيشه.
وأتبع : مرادف تبع. والباء في (بِجُنُودِهِ) للمصاحبة.
واليمّ : البحر. وغشيانه إياهم : تغطيته جثثهم ، أي فغرقوا.
وقوله (ما غَشِيَهُمْ) يفيد ما أفاده قوله (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِ) إذ من المعلوم أنهم غشيهم غاش ، فتعيّن أن المقصود منه التهويل ، أي بلغ من هول ذلك الغرق أنّه لا يستطاع وصفه. قال في «الكشاف» : «هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة». وهذا الجزء من القصة تقدم في سورة يونس.
وجملة (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) في موضع الحال من الضمير في (غَشِيَهُمْ). والإضلال : الإيقاع في الضلال ، وهو خطأ الطريق الموصّل. ويستعمل بكثرة في معنى الجهالة وعمل ما فيه ضرّ وهو المراد هنا. والمعنى : أنّ فرعون أوقع قومه في الجهالة وسوء العاقبة بما بثّ فيهم من قلب الحقائق والجهل المركب ، فلم يصادفوا السداد في أعمالهم حتى كانت خاتمتها وقوعهم غرقى في البحر بعناده في تكذيب دعوة موسى ـ عليهالسلام ـ.
وعطف (وَما هَدى) على (أَضَلَ) : إما من عطف الأعمّ على الأخص لأنّ عدم الهدى يصدق بترك الإرشاد من دون إضلال ؛ وإما أن يكون تأكيدا لفظيا بالمرادف مؤكدا لنفي الهدى عن فرعون لقومه فيكون قوله (وَما هَدى) تأكيدا ل (أَضَلَ) بالمرادف كقوله تعالى : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) [النحل : ٢١] وقول الأعشى : حفاة لا نعال لنا» من قوله :
إمّا ترينا حفاة لا نعال لنا |
|
إنّا كذلك ما نحفى وننتعل |
وفي «الكشاف» : إن نكتة ذكر (وَما هَدى) التهكم بفرعون في قوله (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) اه. يعني أن في قوله (وَما هَدى) تلميحا إلى قصة قوله المحكي في سورة غافر [٢٩] : (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) وما في هذه من قوله (بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) [طه : ٦٣] ، أي هي هدي ، فيكون من التلميح إلى لفظ وقع في قصة مفضيا إلى التلميح إلى القصة كما في قول مهلهل: