ورغبة في تلقي الشريعة حسبما وعده الله قبل أن يحيط بنو إسرائيل بجبل الطور ، ولم يراع في ذلك إلا السبق إلى ما فيه خير لنفسه ولقومه ، فلامه الله على أن غفل عن مراعاة ما يحفّ بذلك من ابتعاده عن قومه قبل أن يوصيهم الله بالمحافظة على العهد ويحذّرهم مكر من يتوسّم فيه مكرا ، فكان في ذلك بمنزلة أبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبيصلىاللهعليهوسلم راكعا فركع ودبّ إلى الصف فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «زادك الله حرصا ولا تعد».
وقريب من تصرّف موسى ـ عليهالسلام ـ أخذ المجتهد بالدليل الذي له معارض دون علم بمعارضة ، وكان ذلك سبب افتتان قومه بصنع صنم يعبدونه.
وليس في كتاب التّوراة ما يشير إلى أكثر من صنع بني إسرائيل العجل من ذهب اتخذوه إلها في مدّة مغيب موسى ، وأن سبب ذلك استبطاؤهم رجوع موسى (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١].
وقوله هنا (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) يدل على أنّهم كانوا سائرين خلفه وأنه سبقهم إلى المناجاة.
واعتذر عن تعجّله بأنه عجّل إلى استجابة أمر الله مبالغة في إرضائه ، فقوله تعالى : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) فيه ضرب من الملام على التعجل بأنّه تسبب عليه حدوث فتنة في قومه ليعلمه أن لا يتجاوز ما وقت له ولو كان لرغبة في ازدياد من الخير.
والأثر ـ بفتحتين ـ : ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدم أو حافر أو خفّ. ويقال : إثر ـ بكسر الهمزة وسكون الثاء ـ وهما لغتان فصيحتان كما ذكر ثعلب. فمعنى قولهم : جاء على إثره ، جاء مواليا له بقرب مجيئه ، شبه الجائي الموالي بالذي يمشي على علامات أقدام من مشى قبله قبل أن يتغيّر ذلك الأثر بأقدام أخرى ، ووجه الشبه هو موالاته وأنه لم يسبقه غيره.
والمعنى : هم أولاء سائرون على مواقع أقدامي ، أي موالون لي في الوصول. ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي» ، تقديره : يحشرون سائرين على آثار قدمي.
وقرأ الجمهور (عَلى أَثَرِي) بفتحتين. وقرأه رويس عن يعقوب ـ بكسر الهمزة وسكون الثاء ـ.
واستعمل تركيب (هُمْ أُولاءِ) مجرّدا عن حرف التنبيه في أول اسم الإشارة خلافا