فيكون اعتراضا وإخبارا للرسول صلىاللهعليهوسلم وللأمّة. وموقع الفاء يناكد هذا لأنّ الفاء لا ترد للاستئناف على التحقيق ، فتكون الفاء للتفريع تفريع أخبار على أخبار.
والمعنى : فمثل ذلك القذف الذي قذفنا ما بأيدينا من زينة القوم ألقى السامريّ ما بيده من النّار ليذوب ويصوغها فأخرج لهم من ذلك عجلا جسدا. فإنّ فعل (ألقى) يحكي حالة مشبهة بحالة قذفهم مصوغ القبط. والقذف والإلقاء مترادفان ، شبه أحدهما بالآخر.
والجسد : الجسم ذو الأعضاء سواء كان حيا أم لا ؛ لقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) [ص : ٣٤]. قيل : هو شق طفل ولدته إحدى نسائه كما ورد في الحديث. قال الزجاج : الجسد هو الذي لا يعقل ولا يميّز إنما هو الجثّة ، أي أخرج لهم صورة عجل مجسّدة بشكله وقوائمه وجوانبه ، وليس مجرد صورة منقوشة على طبق من فضة أو ذهب. وفي سفر الخروج أنّه كان من ذهب.
والإخراج : إظهار ما كان محجوبا. والتعبير بالإخراج إشارة إلى أنّه صنعه بحيلة مستورة عنهم حتى أتمّه.
والخوار : صوت البقر. وكان الذي صنع لهم العجل عارفا بصناعة الحيل التي كانوا يصنعون بها الأصنام ويجعلون في أجوافها وأعناقها منافذ كالزمارات تخرج منها أصوات إذا أطلقت عندها رياح بالكير ونحوه.
وصنع لهم السامريّ صنما على صورة عجل لأنهم كانوا قد اعتادوا في مصر عبادة العجل «ايبيس» ، فلما رأوا ما صاغه السامريّ في صورة معبود عرفوه من قبل ورأوه يزيد عليه بأن له خوارا ، رسخ في أوهامهم الآفنة أن ذلك هو الإله الحقيقي الذي عبّروا عنه بقولهم (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) ، لأنهم رأوه من ذهب أو فضة ، فتوهموا أنّه أفضل من العجل (إيبيس). وإذ قد كانوا يثبتون إلها محجوبا عن الأبصار وكانوا يتطلبون رؤيته ، فقالوا لموسى : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣] ، حينئذ توهموا أن هذه ضالتهم المنشودة. وقصة اتخاذهم العجل في كتاب التّوراة غير ملائمة للنظر السليم.
وتفريع (فَنَسِيَ) يحتمل أن يكون تفريعا على (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ) تفريع علة على معلول ، فالضمير عائد إلى السامريّ ، أي قال السامري ذلك لأنه نسي ما كان تلقّاه من هدي ؛ أو تفريع معلول على علّة ، أي قال ذلك ، فكان قوله سببا في نسيانه ما كان عليه من هدي إذ طبع الله على قلبه بقوله ذلك فحرمه التوفيق من بعد.