و (إِذْ رَأَيْتَهُمْ) متعلق ب (مَنَعَكَ). و (أن) مصدرية ، و (لا) حرف نفي. وهي مؤذنة بفعل محذوف يناسب معنى النفي. والمصدر الذي تقتضيه (أن) هو مفعول الفعل المحذوف. وأما مفعول (مَنَعَكَ) فمحذوف يدلّ عليه (مَنَعَكَ) ويدل عليه المذكور.
والتقدير : ما منعك أن تتبعني واضطرّك إلى أن لا تتبعني ، فيكون في الكلام شبه احتباك. والمقصود تأكيد وتشديد التوبيخ بإنكار أن يكون لهارون مانع حينئذ من اللحاق بموسى ومقتض لعدم اللحاق بموسى ، كما يقال : وجد السبب وانتفى المانع.
ونظيره قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) في سورة الأعراف [١٢] فارجع إليه.
والاستفهام في قوله (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) مفرع على الإنكار ، فهو إنكار ثان على مخالفة أمره ، مشوب بتقرير للتهديد.
وقوله في الجواب (يَا بْنَ أُمَ) نداء لقصد الترقيق والاستشفاع. وهو مؤذن بأن موسى حين وبّخه أخذ بشعر لحية هارون ، ويشعر بأنه يجذبه إليه ليلطمه ، وقد صرح به في الأعراف [٥٠] بقوله تعالى : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ).
وقرأ الجمهور (يَا بْنَ أُمَ) ـ بفتح الميم. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف ـ بكسر الميم ـ وأصله : يا ابن أمّي ، فحذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وهو حذف مخصوص بالنداء. والقراءتان وجهان في حذف ياء المتكلّم المضاف إليها لفظ أمّ ولفظ (عمّ) في النداء.
وعطف الرأس على اللحية لأنّ أخذه من لحيته أشد ألما وأنكى في الإذلال.
وابن الأم : الأخ. وعدل عن (يا أخي) إلى (ابن أم) لأن ذكر الأم تذكير بأقوى أواصر الأخوّة ، وهي آصرة الولادة من بطن واحد والرضاع من لبان واحد.
واللحية ـ بكسر اللّام ويجوز ـ فتح اللّام في لغة الحجاز ـ اسم للشعر النابت بالوجه على موضع اللحيين والذقن ، وقد أجمع القراء على ـ كسر اللّام ـ من لحيتي.
واعتذر هارون عن بقائه بين القوم بقوله (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ) ، أي أن تظن ذلك بي فتقوله لوما وتحميلا لتبعة الفرقة التي ظن أنها واقعة لا محالة إذا أظهر هارون غضبه عليهم لأنه يستتبعه طائفة من الثابتين على الإيمان ويخالفهم الجمهور فيقع انشقاق