وقوله (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً) اللام في (لَكَ) استعارة تهكمية ، كقوله تعالى : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] أي فعليها. وتوعده بعذاب الآخرة فجعله موعدا له ، أي موعد الحشر والعذاب ، فالموعد مصدر ، أي وعد لا يخلف (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) [الروم : ٦]. وهنا توعّد بعذاب الآخرة.
وقرأ الجمهور (لَنْ تُخْلَفَهُ) ـ بفتح اللّام ـ مبنيّا للمجهول للعلم بفاعله ، وهو الله تعالى ، أي لا يؤخره الله عنك ، فاستعير الإخلاف للتأخير لمناسبة الموعد.
وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ـ بكسر اللام ـ مضارع أخلف وهمزته للوجدان. يقال : أخلف الوعد إذا وجده مخلفا ، وإما على جعل السامريّ هو الذي بيده إخلاف الوعد وأنه لا يخلفه ، وذلك على طريق التهكم تبعا للتهكم الذي أفاده لام الملك.
وبعد أن أوعد موسى السامريّ بيّن له وللذين اتبعوه ضلالهم بعبادتهم العجل بأنه لا يستحق الإلهيّة لأنّه معرّض للامتهان والعجز ، فقال : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً). فجعل الاستدلال بالنظر إشارة إلى أنه دليل بيّن لا يحتاج المستدل به إلى أكثر من المشاهدة فإن دلالة المحسوسات أوضح من دلالة المعقولات.
وأضاف الإله إلى ضمير السامريّ تهكما بالسامريّ وتحقيرا له ، ووصف ذلك الإله المزعوم بطريق الموصولية لما تدلّ عليه الصلة من التنبيه على الضلال والخطأ ، أي الذي لا يستحق أن يعكف عليه.
وقوله (ظَلْتَ) ـ بفتح الظاء ـ في القراءات المشهورة ، وأصله : ظللت : حذفت منه اللام الأولى تخفيفا من توالي اللامين وهو حذف نادر عند سيبويه وعند غيره هو قياس.
وفعل (ظلّ) من أخوات (كان). وأصله الدلالة على اتصاف اسمه بخبره في وقت النّهار ، وهو هنا مجاز في معنى (دام) بعلاقة الإطلاق بناء على أنّ غالب الأعمال يكون في النّهار.
والعكوف : ملازمة العبادة وتقدم آنفا. وتقديم المجرور في قوله (عَلَيْهِ عاكِفاً) للتخصيص ، أي الذي اخترته للعبادة دون غيره ، أي دون الله تعالى.
وقرأ الجمهور (لَنُحَرِّقَنَّهُ) ـ بضم النون الأولى وفتح الحاء وكسر الراء مشددة ـ. والتحريق : الإحراق الشديد ، أي لنحرقنه إحراقا لا يدع له شكلا. وأراد به أن يذيبه بالنّار