استرشادا ، فقد أنبأهم الله بمصير الجبال إبطالا لشبهتهم وتعليما للمؤمنين. قال القرطبي : «جاء هنا (أي قوله (فَقُلْ يَنْسِفُها) بفاء وكل سؤال في القرآن «قل» (أي كل جواب في لفظ منه مادة سؤال) بغير فاء إلا هذا ، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل ، فتضمن الكلام معنى الشرط ، وقد علم أنّهم يسألونه عنها فأجابهم قبل السؤال. وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي صلىاللهعليهوسلم فجاء الجواب عقب السؤال ا. ه».
وأكد ينسفها نسفا لإثبات أنه حقيقة لا استعارة. فتقدير الكلام : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ... إلى آخره ، وننسف الجبال نسفا ، فقل ذلك للذين يسألونك عن الجبال.
والنسف : تفريق وإذراء ، وتقدم آنفا.
والقاع : الأرض السهلة.
والصفصف : الأرض المستوية التي لا نتوء فيها.
ومعنى (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) أنها تندك في مواضعها وتسوى مع الأرض حتى تصير في مستوى أرضها ، وذلك يحصل بزلزال أو نحوه ، قال تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٤ ـ ٦].
وجملة (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) حال مؤكدة لمعنى (قاعاً صَفْصَفاً) لزيادة تصوير حالة فيزيد تهويلها. والخطاب في (لا تَرى فِيها عِوَجاً) لغير معين يخاطب به الرسولصلىاللهعليهوسلم سائليه.
والعوج ـ بكسر العين وفتح الواو ـ : ضد الاستقامة ، ويقال : ـ بفتح العين والواو ـ كذلك فهما مترادفان على الصحيح من أقوال أئمة اللّغة. وهو ما جزم به عمرو واختاره المرزوقي في «شرح الفصيح». وقال جماعة : ـ مكسور العين ـ يجري على الأجسام غير المنتصبة كالأرض وعلى الأشياء المعنوية كالدين. و ـ مفتوح العين ـ يوصف به الأشياء المنتصبة كالحائط والعصا ، وهو ظاهر ما في «لسان العرب» عن الأزهري. وقال فريق : ـ مكسور العين ـ توصف به المعاني ، و ـ مفتوح العين ـ توصف به الأعيان. وهذا أضعف الأقوال. وهو منقول عن ابن دريد في «الجمهرة» وتبعه في «الكشاف» هنا ، وكأنه مال إلى ما فيه من التفرقة في الاستعمال ، وذلك من الدقائق التي يميل إليها المحققون. ولم يعرج عليه صاحب «القاموس» ، وتعسف صاحب «الكشاف» تأويل الآية على اعتباره خلافا