وفي تفريع ذلك على إنزال القرآن إشارة أيضا إلى أن القرآن قانون ذلك الملك ، وأن ما جاء به هو السياسة الكاملة الضامنة صلاح أحوال متبعيه في الدنيا والآخرة.
وجملة (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ناشئة على ما تقدم من التنويه بالقرآن وما اشتمل عليه من تصاريف إصلاح الناس. فلمّا كان النبيصلىاللهعليهوسلم حريصا على صلاح الأمّة شديد الاهتمام بنجاتهم لا جرم خطرت بقلبه الشريف عقب سماع تلك الآيات رغبة أو طلبة في الإكثار من نزول القرآن وفي التعجيل به إسراعا بعظة الناس وصلاحهم ، فعلمه الله أن يكل الأمر إليه فإنه أعلم بحيث يناسب حال الأمة العامّ.
ومعنى (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي من قبل أن يتم وحي ما قضي وحيه إليك ، أي ما نفذ إنزاله فإنه هو المناسب. فالمنهي عنه هو سؤال التعجيل أو الرغبة الشديدة في النفس التي تشبه الاستبطاء لا مطلق مودة الازدياد ، فقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم في شأن قصة موسى مع الخضر ـ عليهماالسلام ـ «وددنا أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما أو من خبرهما».
ويجوز أن يكون معنى العجلة بالقرآن العجلة بقراءته حال إلقاء جبريل آياته. فعن ابن عبّاس : كان النبي يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل حرصا على الحفظ وخشية من النسيان فأنزل الله (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) الآية. وهذا كما قال ابن عبّاس في قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة : ١٦] كما في «صحيح البخاري». وعلى هذين التأويلين يكون المراد بقضاء وحيه إتمامه وانتهاؤه ، أي انتهاء المقدار الذي هو بصدد النزول.
وعن مجاهد وقتادة أن معناه : لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك ولا تمله عليهم حتى تتبين لك معانيه. وعلى هذا التأويل يكون قضاء الوحي تمام معانيه. وعلى كلا التفسيرين يجري اعتبار موقع قوله (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).
وقرأ الجمهور (يُقْضى) بتحتية في أوله مبنيا للنائب ، ورفع (وَحْيُهُ) على أنه نائب الفاعل. وقرأه يعقوب ـ بنون العظمة وكسر الضاد وبفتحة على آخر نقضي وبنصب وحيه.
وعطف جملة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) يشير إلى أن المنهي عنه استعجال مخصوص وأن الباعث على الاستعجال محمود. وفيه تلطف مع النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ أتبع نهيه عن التعجل