النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠))
جملة (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) عطف على جملة (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) [طه : ١٢٨] باعتبار ما فيها من التحذير والتهديد والعبرة بالقرون الماضية ، وبأنهم جديرون بأن يحل بهم مثل ما حل بأولئك. فلما كانوا قد غرّتهم أنفسهم بتكذيب الوعيد لما رأوا من تأخر نزول العذاب بهم فكانوا يقولون (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سبأ : ٢٩] عقب وعيدهم بالتنبيه على ما يزيل غرورهم بأن سبب التأخير كلمة سبقت من الله بذلك لحكم يعلمها. وهذا في معنى قوله (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [سبأ : ٢٩ ، ٣٠].
والكلمة : مستعملة هنا فيما شأنه أن تدل عليه الكلمات اللفظية من المعاني ، وهو المسمى عند الأشاعرة بالكلام النفسي الراجع إلى علم الله تعالى بما سيبرزه للناس من أمر التكوين أو أمر التشريع ، أو الوعظ. وتقدّم قوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) في سورة هود [١١٠].
فالكلمة هنا مراد بها : ما علمه الله من تأجيل حلول العذاب بهم ، فالله تعالى بحكمته انظر قريشا فلم يعجل لهم العذاب لأنه أراد أن ينشر الإسلام بمن يؤمن منهم وبذريّاتهم. وفي ذلك كرامة للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم بتيسير أسباب بقاء شرعه وانتشاره لأنه الشريعة الخاتمة. وخصّ الله منهم بعذاب السيف والأسر من كانوا أشداء في التكذيب والإعراض حكمة منه تعالى ، كما قال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الأنفال : ٣٣ ـ ٣٤].
واللزام ـ بكسر اللام ـ : مصدر لازم : كالخصام ، استعمل مصدرا لفعل لزم الثاني لقصد المبالغة في قوة المعنى كأنه حاصل من عدة ناس. ويجوز أن يكون وزن فعال بمعنى فاعل ، مثل لزاز في قول لبيد :
منا لزاز كريهة جذّامها
وسداد في قول العرجي :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا |
|
ليوم كريهة وسداد ثغر |
أي : لكان الإهلاك الشديد لازما لهم.