أنها أخبرته بأنها جعلت الله معاذا لها منه ، أي جعلت جانب الله ملجأ لها مما همّ به.
وهذه موعظة له.
وذكرها صفة (الرحمن) دون غيرها من صفات الله لأنها أرادت أن يرحمها الله بدفع من حسبته داعرا عليها.
وقولها (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) تذكير له بالموعظة بأن عليه أن يتّقي ربّه.
ومجيء هذا التذكير بصيغة الشرط المؤذن بالشك في تقواه قصد لتهييج خشيته ، وكذلك اجتلاب فعل الكون الدال على كون التّقوى مستقرة فيه. وهذا أبلغ وعظ وتذكير وحثّ على العمل بتقواه.
والقصر في قوله : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) قصر إضافي ، أي لست بشرا ، ردا على قولها : (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) المقتضي اعتقادها أنه بشر.
وقرأ الجمهور (لِأَهَبَ) بهمزة المتكلم بعد لام العلّة. ومعنى إسناد الهبة إلى نفسه مجاز عقلي لأنه سبب هذه الهبة. وقرأه أبو عمرو ، وورش عن نافع ليهب بياء الغائب ، أي ليهب ربّك لك ، مع أنها مكتوبة في المصحف بألف. وعندي أن قراءة هؤلاء بالياء بعد اللام إنما هي نطق الهمزة المخففة بعد كسر اللام بصورة نطق الياء.
ومحاورتها الملك محاولة قصدت بها صرفه عما جاء لأجله ، لأنها علمت أنّه مرسل من الله فأرادت مراجعة ربّها في أمر لم تطقه ، كما راجعه إبراهيم عليهالسلام في قوم لوط ، وكما راجعه محمد عليه الصلاة والسلام في فرض خمسين صلاة. ومعنى المحاورة أن ذلك يجر لها ضرّا عظيما إذ هي مخطوبة لرجل ولم يبن بها فكيف يتلقى الناس منها الإتيان بولد من غير أب معروف.
وقولها (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) تبرئة لنفسها من البغاء بما يقتضيه فعل الكون من تمكن الوصف الذي هو خبر الكون ، والمقصود منه تأكيد النفي فمفاد قولها (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) غير مفاد قولها (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ، وهو مما زادت به هذه القصة على ما في قصتها في سورة آل عمران ، لأن قصتها في سورة آل عمران نزلت بعد هذه فصح الاجتزاء في القصة بقولها (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ).
وقولها (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) أي لم يبن بي زوج ، لأنها كانت مخطوبة ومراكنة ليوسف النجار ولكنه لم يبن بها فإذا حملت بولد اتهمها خطيبها وأهلها بالزنى.