والابتداء بوصف العبودية لله ألقاه الله على لسان عيسى لأن الله علم بأن قوما سيقولون : إنه ابن الله.
والتعبير عن إيتاء الكتاب بفعل المضي مراد به أن الله قدّر إيتاءه إياه ، أي قدّر أن يؤتيني الكتاب.
والكتاب : الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير. فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن. والمراد بالكتاب الإنجيل وهو ما كتب من الوحي الذي خاطب الله به عيسى. ويجوز أن يراد بالكتاب التوراة فيكون الإيتاء إيتاء علم ما في التوراة كقوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) [مريم : ١٢] فيكون قوله (وَجَعَلَنِي) نبيئا ارتقاء في المراتب التي آتاه الله إياها.
والقول في التعبير عنه بالماضي كالقول في قوله و (آتانِيَ الْكِتابَ).
والمبارك : الذي تقارن البركة أحواله في أعماله ومحاورته ونحو ذلك ، لأن المبارك اسم مفعول من باركه ، إذا جعله ذا بركة ، أو من بارك فيه ، إذا جعل البركة معه.
والبركة : الخير واليمن.
ذلك أن الله أرسله برحمة لبني إسرائيل ليحلّ لهم بعض الذي حرم عليهم وليدعوهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم وغيروا من دينهم ، فهذه أعظم بركة تقارنه. ومن بركته أن جعل الله حلوله في المكان سببا لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها وتوفيقهم إلى الخير ، ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقساة والمفسدون انقلبوا صالحين وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة ، ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشّارين فصاروا دعاة هدى وفاضت ألسنتهم بالحكمة.
وبهذا يظهر أن كونه مباركا أعم من كونه نبيئا عموما وجهيا ، فلم يكن في قوله وجعلني نبيئا غنية عن قوله (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً).
والتعميم الذي في قوله (أَيْنَ ما كُنْتُ) تعميم للأمكنة ، أي لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس أو في مجمع أهل بلده ، بل هو حيثما حلّ تحلّ معه البركة.
والوصاية : الأمر المؤكد بعمل مستقبل ، أي قدّر وصيتي بالصلاة والزكاة ، أي أن يأمرني بهما أمرا مؤكدا مستمرا ، فاستعمال صيغة المضي في (أَوْصانِي) مثل استعمالها