وتأكيد هذا الخبر بحرف التوكيد وبإقحام فعل الكون للاهتمام بتحقيقه زيادة في الثناء عليه.
وجملة (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) واقعة موقع التعليل للاهتمام بذكره في التلاوة ، وهذه الجملة معترضة بين المبدل منه والبدل ، فإن (إذ) اسم زمان وقع بدلا من إبراهيم ، أي اذكر ذلك خصوصا من أحوال إبراهيم فإنه أهمّ ما يذكر فيه لأنه مظهر صديقيته إذ خاطب أباه بذلك الإنكار.
والنبي : فعيل بمعنى مفعول ، من أنبأه بالخبر. والمراد هنا أنه منبّأ من جانب الله تعالى بالوحي. والأكثر أن يكون النبي مرسلا للتبليغ ، وهو معنى شرعي ، فالنبي فيه حقيقة عرفية. وتقدم في سورة البقرة [٢٤٦] عند قوله : (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) ، فدل ذلك على أن قوله لأبيه (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ) إنما كان عن وحي من الله ليبلغ قومه إبطال عبادة الأصنام.
وقرأ الجمهور (نَبِيًّا) بياء مشددة بتخفيف الهمزة ياء لثقلها ولمناسبة الكسرة. وقرأه نافع وحده (نبيئا) بهمزة آخره ، وبذلك تصير الفاصلة القرآنية على حرف الألف ، ومثل تلك الفاصلة كثير في فواصل القرآن.
وقوله : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) إلخ بدل اشتمال من (إبراهيم). و (إذ) اسم زمان مجرد عن الظرفية لأن (إذ) ظرف متصرف على التحقيق. والمعنى : اذكر إبراهيم زمان قوله لأبيه فإن ذلك الوقت أجدر أوقات إبراهيم بأن يذكر.
وأبو إبراهيم هو (آزار) تقدم ذكره في سورة الأنعام.
وافتتح إبراهيم خطابه أباه بندائه مع أن الحضرة مغنية عن النداء قصدا لإحضار سمعه وذهنه لتلقي ما سيلقيه إليه.
قال الجد الوزير رحمهالله فيما أملاه عليّ ذات ليلة من عام ١٣١٨ ه فقال :
«علم إبراهيم أن في طبع أهل الجهالة تحقيرهم للصغير كيفما بلغ حاله في الحذق وبخاصة الآباء مع أبنائهم ، فتوجه إلى أبيه بخطابه بوصف الأبوة إيماء إلى أنه مخلص له النصيحة ، وألقى إليه حجّة فساد عبادته في صورة الاستفهام عن سبب عبادته وعمله المخطئ ، منبّها على خطئه عند ما يتأمل في عمله ، فإنه إن سمع ذلك وحاول بيان سبب