ادّعى إلى بني فلان ، أي انتسب. قال بشامة بن حزن النهشلي :
إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب |
|
عنه ولا هو بالأبناء يشرينا |
وجملة (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) عطف على جملة : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً).
ومعنى (ما يَنْبَغِي) ما يتأتّى ، أو ما يجوز. وأصل الانبغاء : أنّه مطاوع فعل بغى الذي بمعنى طلب. ومعنى ، مطاوعته : التأثّر بما طلب منه ، أي استجابة الطلب.
نقل الطيبي عن الزمخشري أنه قال في «كتاب سيبويه» : كل فعل فيه علاج يأتي مطاوعه على الانفعال كصرف وطلب وعلم ، وما ليس فيه علاج كعدم وفقد لا يتأتى في مطاوعه الانفعال البتة» اه. فبان أن أصل معنى (يَنْبَغِي) يستجيب الطلب. ولما كان الطلب مختلف المعاني باختلاف المطلوب لزم أن يكون معنى (يَنْبَغِي) مختلفا بحسب المقام فيستعمل بمعنى : يتأتى ، ويمكن ، ويستقيم ، ويليق ، وأكثر تلك الإطلاقات أصله من قبيل الكناية واشتهرت فقامت مقام التصريح.
والمعنى في هذه الآية : وما يجوز أن يتّخذ الرحمن ولدا ، بناء على أن المستحيل لو طلب حصوله لما تأتّى لأنه مستحيل لا تتعلّق به القدرة ، لا لأنّ الله عاجز عنه ، ونحو قوله : (قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) [الفرقان : ١٨] يفيد معنى : لا يستقيم لنا ، أو لا يخوّل لنا أن نتخذ أولياء غيرك ، ونحو قوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) [يس : ٤٠] يفيد معنى لا تستطيع. ونحو (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) [يس : ٦٩] يفيد معنى : أنه لا يليق به ، ونحو : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص : ٣٥] يفيد معنى : لا يستجاب طلبه لطالبه إن طلبه ، وفرق بين قولك : ينبغي لك أن لا تفعل هذا ، وبين لا ينبغي لك أن تفعل كذا ، أي ما يجوز لجلال الله أن يتخذ ولدا لأنّ جميع الموجودات غير ذاته تعالى يجب أن تكون مستوية في المخلوقية له والعبودية له. وذلك ينافي البنوة لأن بنوة الإله جزء من الإلهية ، وهو أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] ، أي لو كان له ولد لعبدته قبلكم.
ومعنى (آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) : الإتيان المجازي ، وهو الإقرار والاعتراف ، مثل : باء بكذا ، أصله رجع ، واستعمل بمعنى اعترف.