و (عَبْداً) حال ، أي معترف لله بالإلهية غير مستقل عنه في شيء في حال كونه عبدا.
ويجوز جعل (آتِي الرَّحْمنِ) بمعنى صائر إليه بعد الموت ، ويكون المعنى أنّه يحيا عبدا ويحشر عبدا بحيث لا تشوبه نسبة البنوة في الدنيا ولا في الآخرة.
وتكرير اسم (الرَّحْمنِ) في هذه الآية أربع مرات إيماء إلى أن وصف الرحمن الثابت لله ، والذي لا ينكر المشركون ثبوت حقيقته لله وإن أنكروا لفظه ، ينافي ادعاء الولد له لأنّ الرحمن وصف يدلّ على عموم الرّحمة وتكثرها. ومعنى ذلك : أنّها شاملة لكل موجود ، فذلك يقتضي أن كل موجود مفتقر إلى رحمة الله تعالى ، ولا يتقوم ذلك إلا بتحقق العبودية فيه. لأنه لو كان بعض الموجودات ابنا لله تعالى لاستغنى عن رحمته لأنه يكون بالبنوة مساويا له في الإلهية المقتضية الغنى المطلق ، ولأن اتخاذ الابن يتطلّب به متخذه برّ الابن به ورحمته له ، وذلك ينافي كون الله مفيض كلّ رحمة.
فذكر هذا الوصف عند قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) وقوله (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) تسجيل لغباوتهم.
وذكره عند قوله : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) إيماء إلى دليل عدم لياقة اتخاذ الابن بالله.
وذكره عند قوله : (إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه وإقرارها له بملكه إياها.
وجملة (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) عطف على جملة (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) ، مستأنفة ابتدائية لتهديد القائلين هذه المقالة. فضمائر الجمع عائدة إلى ما عاد إليه ضمير (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) وما بعده. وليس عائدا على (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي لقد علم الله كل من قال ذلك وعدّهم فلا ينفلت أحد منهم من عقابه.
ومعنى (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) إبطال ما لأجله قالوا اتخذ الله ولدا ، لأنهم زعموا ذلك موجب عبادتهم للملائكة والجنّ ليكونوا شفعاءهم عند الله ، فأيأسهم الله من ذلك بأن كل واحد يأتي يوم القيامة مفردا لا نصير له كما في قوله في الآية السالفة : (وَيَأْتِينا فَرْداً). وفي ذلك تعريض بأنهم آتون لما يكرهون من العذاب والإهانة إتيان الأعزل إلى من يتمكن من الانتقام منه.