والقرن : الأمة كما في قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) [المؤمنون : ٤٢]. و (مِنْ قَبْلِهِمْ) يجوز أن يكون ظرفا مستقرا جعل صفة ل (قَرْنٍ) مقدمة عليه فوقعت حالا ، وإنما قدم للاهتمام بمضمونه ليفيد الاهتمام إيماء إلى أنهم أسوة لهم في العزّة والشقاق وأن ذلك سبب إهلاكهم. ويجوز أن يكون متعلقا ب (أَهْلَكْنا) على أنه ظرف لغو ، وقدم على مفعول فعله مع أن المفعول أولى بالسبق من بقية معمولات الفعل ليكون تقديمه اهتماما به إيماء إلى الإهلاك كما في الوجه الأول.
وفرع على الإهلاك أنهم نادوا فلم ينفعهم نداؤهم ، تحذيرا من أن يقع هؤلاء في مثل ما وقعت فيه القرون من قبلهم إذ أضاعوا الفرصة فنادوا بعد فواتها فلم يفدهم نداؤهم ولا دعاؤهم. والمراد بالنداء في (فَنادَوْا) نداؤهم الله تعالى تضرعا ، وهو الدعاء كما حكي عنهم في قوله تعالى : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) [الدخان : ١٢]. وقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) [المؤمنون : ٦٤].
وجملة (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) في موضع الحال ، والواو واو الحال ، أي نادوا في حال لا حين مناص لهم.
و (لاتَ) حرف نفي بمعنى (لا) المشبهة ب (ليس) و (لاتَ) حرف مختص بنفي أسماء الأزمان وما يتضمن معنى الزمان من إشارة ونحوها. وهي مركبة من (لا) النافية وصلت بها تاء زائدة لا تفيد تأنيثا لأنها ليست هاء وإنما هي كزيادة التاء في قولهم : ربّت وثمّت. والنفي بها لغير الزمان ونحوه خطأ في اللغة وقع فيه أبو الطيب إذ قال :
لقد تصبرت حتى لات مصطبر |
|
والآن أقحم حتى لات مقتحم |
وأغفل شارحو ديوانه كلّهم وقد أدخل (لاتَ) على غير اسم زمان. وأيّا ما كان فقد صارت (لا) بلزوم زيادة التاء في آخرها حرفا مستقلا خاصا بنفي أسماء الزمان فخرجت عن نحو : ربّت وثمّت.
وزعم أبو عبيد القاسم بن سلام أن التاء في (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) متصلة ب (حِينَ) وأنه رآها في مصحف عثمان متصلة ب (حِينَ) وزعم أن هذه التاء تدخل على: حين وأوان وآن (١) يريد أن التاء لا حقة لأول الاسم الذي بعد (لا) ولكنه لم يفسر لدخولها معنى. وقد
__________________
(١) يشير إلى قول أبي زبيد :