الاستمرار على دينهم كما يقال : كما سار الكرام ، أي اعمل كما عملوا ، ومنه سميت الأخلاق والأعمال المعتادة سيرة.
والصبر : الثبات والملازمة ، يقال : صبر الدابة إذا ربطها ، ومنه سمي الثبات عند حلول الضرّ صبرا لأنه ملازمة للحلم والأناة بحيث لا يضطرب بالجزع ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) [الفرقان : ٤٢] ..
وحرف (عَلى) يدلّ على تضمين (اصْبِرُوا) معنى : اعكفوا وأثبتوا ، فحرف (عَلى) هنا للاستعلاء المجازي وهو التمكن مثل (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥]. وليس هو حرف (عَلى) المتعارف تعدية فعل الصبر به في نحو قوله : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [المزمل : ١٠] فإن ذلك بمعنى (مع) ، ولذلك يخلفه اللام في مثل ذلك الموقع نحو قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) [القلم : ٤٨] ، ولا بدّ هنا من تقدير مضاف ، أي على عبادة آلهتكم ، فلا يتعدى إلى مفعول إن كان مجازا فهو في الشروع فقد أريد به الشروع في الكلام فكان.
وجملة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) تعليل للأمر بالصبر على آلهتهم لقصد تقوية شكهم في صحة دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم بأنها شيء أراده لغرض أي ليس صادقا ولكنه مصنوع مراد منه مقصد كما يقال : هذا أمر دبّر بليل ، فالإشارة ب (هذا) إلى ما كانوا يسمعونه في المجلس من دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم إياهم أن يقولوا : لا إله إلا الله.
وقوله : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) من كلام الملأ. والإشارة إلى ما أشير إليه بقولهم : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) ، أي هذا القول وهو (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص: ٥].
والجملة مستأنفة أو مبينة لجملة (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) لأن عدم سماع مثله يبين أنه شيء مصطنع مبتدع. وإعادة اسم الإشارة من وضع الظاهر موضع المضمر لقصد زيادة تمييزه. وفي قوله : (هذا) تقدير مضاف ، أي بمثل هذا الذي يقوله. ونفي السماع هنا خبر مستعمل كناية عن الاستبعاد والاتّهام بالكذب.
و (الْمِلَّةِ) : الدين ، قال تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) في سورة البقرة [١٢٠] ، وقال : (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) في سورة يوسف [٣٧ ، ٣٨].