وما أجمل التعبير عما ترك المصريون من الأبنية الباقية بالأوتاد فإنها هي الأهرام ومنظرها في عين الرائي منظر الوتد الضخم المغروز في الأرض ا. ه. وأكثر الأهرام بنيت قبل زمن فرعون موسى منفتاح الثاني فكان منفتاح هذا مالك تلك الأهرام فإنه يفتخر بعظمتها وليس يفيد قوله : (ذُو الْأَوْتادِ) أكثر من هذا المعنى إذ لا يلزم أن يكون هو الباني تلك الأهرام. وذلك كما يقال : ذو النيل ، وقال تعالى حكاية عنه : (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف : ٥١].
وأما (ثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ) فتقدم الكلام عليهم غير مرة. و (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) : هم أهل مدين ، وقد تقدم خبرهم وتحقيق أنهم من قوم شعيب وأنهم مختلطون مع مدين في سورة الشعراء.
وتقديم ذكر فرعون على ثمود وقوم لوط وأصحاب ليكة مع أن قصته حدثت بعد قصصهم لأن حاله مع موسى أشبه بحال زعماء أهل الشرك بمكة من أحوال الأمم الأخرى فإنه قاوم موسى بجيش كما قاوم المشركون المسلمين بجيوش.
وجملة (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) معترضة بين جملة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) وجملة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ). واسم الإشارة مستعمل في التعظيم ، أي تعظيم القوة.
والتعريف في (الْأَحْزابِ) استغراق ادعائي وهو المسمى بالدلالة على معنى الكمال مثل : هم القوم وأنت الرجل. والحصر المستفاد من تعريف المسند والمسند إليه حصر ادعائي ، قصرت صفة الأحزاب على المشار إليهم ب (أُولئِكَ) بادعاء الأمم وأن غيرهم لمّا يبلغوا مبلغ أن يعدّوا من الأحزاب فظاهر القصر ولام الكمال لتأكيد معنى الكمال كقول الأشهب بن رميلة :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كلّ القوم يا أم خالد |
والمعنى : أولئك المذكورون هم الأمم لا تضاهيهم أمم في القوة والشدة. وهذا تعريض بتخويف مشركي العرب من أن ينزل بهم ما نزل بأولئك على حد قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ* إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) في سورة غافر [٢١ ، ٢٢].
وجملة (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) مؤكدة لجملة (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) إلى قوله :