معاملات القرابة وعلاقة النسب واستبقاء الصلات ، ثم يجوز أن يكون (أَخِي) بدلا من اسم الإشارة. ويجوز أن يكون خبر (إِنَ) وهو أولى لأن فيه زيادة استفظاع اعتدائه عليه.
و (عَزَّنِي) غلبني في مخاطبته ، أي أظهر في الكلام عزّة عليّ وتطاولا. فجعل الخطاب ظرفا للعزّة مجازا لأن الخطاب دل على العزة والغلبة فوقع تنزيل المدلول منزلة المظروف وهو كثير في الاستعمال.
والمعنى : أنه سأله أن يعطيه نعجته ، ولمّا رأى منه تمنّعا اشتدّ عليه بالكلام وهدّده ، فأظهر الخصم المتشكي أنه يحافظ على أواصر القرابة فشكاه إلى الملك ليصدّه عن معاملة أخيه معاملة الجفاء والتطاول ليأخذ نعجته عن غير طيب نفس. وبهذا يتبين أن موضع هذا التحاكم طلب الإنصاف في معاملة القرابة لئلا يفضي الخلاف بينهم إلى التواثب فتنقطع أواصر المبرة والرحمة بينهم.
وقد علم داود من تساوقهما للخصومة ومن سكوت أحد الخصمين أنهما متقاربان على ما وصفه الحاكي منهما ، أو كان المدعى عليه قد اعترف. فحكم داود بأن سؤال الأخ أخاه نعجته ظلم لأن السائل في غنى عنها والمسئول ليس له غيرها فرغبة السائل فيما بيد أخيه من فرط الحرص على المال واجتلاب النفع للنفس بدون اكتراث بنفع الآخر. وهذا ليس من شأن التحابّ بين الأخوين والإنصاف منهما فهو ظلم وما كان من الحق أن يسأله ذلك أعطاه أو منعه ، ولأنه تطاول عليه في الخطاب ولامه على عدم سماح نفسه بالنعجة ، وهذا ظلم أيضا.
والإضافة في قوله : (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) للتعريف ، أي هذا السؤال الخاص المتعلق بنعجة معروفة ، أي هذا السؤال بحذافره مشتمل على ظلم ، وإضافة سؤال من إضافة المصدر إلى مفعوله. وتعليق (إِلى نِعاجِهِ) ب «سؤال» تعليق على وجه تضمين «سؤال» معنى الضم ، كأنه قيل : بطلب ضم نعجتك إلى نعاجه.
فهذا جواب قولهما : (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ثم أعقبه بجواب قولهما : (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إذ قال : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) المفيد أن بغي أحد المتعاشرين على عشيره متفشّ بين الناس غير الصالحين من المؤمنين ، وهو كناية عن أمرهما بأن يكونا من المؤمنين الصالحين وأن ما فعله أحدهما ليس من شأن الصالحين.