والنهي في (لا تُشْطِطْ) مستعمل في التذكير والإرشاد.
و (تُشْطِطْ) : مضارع أشط ، يقال : أشط عليه ، إذا جار عليه ، وهو مشتق من الشطط وهو مجاوزة الحد والقدر المتعارف.
ومخاطبة الخصم داود بهذا خارجة مخرج الحرص على إظهار الحق وهو في معنى الذكرى بالواجب فلذلك لا يعدّ مثلها جفاء للحاكم والقاضي ، وهو من قبيل : اتّق الله في أمري. وصدوره قبل الحكم أقرب إلى معنى التذكير وأبعد عن الجفاء ، فإن وقع بعد الحكم كان أقرب إلى الجفاء كالذي قال للنبي صلىاللهعليهوسلم في قسمة قسمها «اعدل ، فقال له الرسول : ويلك فمن يعدل إن لم أعدل».
وقد قال علماؤنا في قول الخصم للقاضي : (اتق الله في أمري) إنه لا يعد جفاء للقاضي ولا يجوز للقاضي أن يعاقبه عليه كما يعاقب من أساء إليه. وأفتى مالك بسجن فتى ، فقال أبوه لمالك : اتق الله يا مالك ، فو الله ما خلقت النار باطلا ، فقال مالك : من الباطل ما فعله ابنك. فهذا فيه زيادة بالتعريض بقوله فو الله ما خلقت النار باطلا. وقولهما : (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) يصرف عن إرادة الجفاء من قولهما : (وَلا تُشْطِطْ) لأنهما عرفا أنه لا يقول إلا حقا وأنهما تطلبا منه الهدى.
والهدى : هنا مستعار للبيان وإيضاح الصواب. و (سَواءِ الصِّراطِ) : مستعار للحق الذي لا يشوبه باطل لأن الصراط الطريق الواسع ، والسواء منه هو الذي لا التواء فيه ولا شعب تتشعب منه فهو أسرع إيصالا إلى المقصود باستوائه وأبعد عن الالتباس بسلامته من التشعب.
ومجموع (اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) تمثيل لحال الحاكم بالعدل بحال المرشد الدال على الطريق الموصلة فهو من التمثيل القابل تجزئة التشبيه في أجزائه ، ويؤخذ من هنا أن حكم القاضي العدل يحمل على الجري على الحق وأن الحكم يجب أن يكون بالحق شرعا لأنه هدي فهو والفتيا سواء في أنهما هدي إلا أن الحكم فيه إلزام.
ومعنى (أَكْفِلْنِيها) اجعلها في كفالتي ، أي حفظي وهو كناية عن الإعطاء والهبة ، أي هبها لي.
وجملة (إِنَّ هذا أَخِي) إلى آخرها بيان لجملة (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) وظاهر الأخ أنهما أرادا أخوّة النسب. وقد فرضا أنفسهما أخوين وفرضا الخصومة في