شَدِيداً وَشُهُباً) [الجن : ٨].
والعذاب الواصب : الدائم يقال : وصب يصب وصوبا ، إذا دام. والمعنى : أنهم يطردون في الدنيا ويحقرون ولهم عذاب دائم في الآخرة فإن الشياطين للنار (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) في سورة مريم [٦٨] ، ويجوز أن يكون المراد عذاب القذف وأنه واصب ، أي لا ينفكّ عنهم كلما حاولوا الاستراق لأنهم مجبولون على محاولته.
وجملة (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) معترضة بين الجملة المشتملة على المستثنى منه وهي جملة (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) وبين الاستثناء.
و (مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) مستثنى من ضمير (لا يَسَّمَّعُونَ) فهو في محل رفع على البدلية منه.
والخطف : ابتدار تناول شيء بسرعة ، و (الْخَطْفَةَ) المرة منه. فهو مفعول مطلق ل (خَطِفَ) لبيان عدد مرات المصدر ، أي خطفة واحدة ، وهو هنا مستعار للإسراع بسمع ما يستطيعون سمعه من كلام غير تام كقوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) في سورة البقرة [٢٠].
و «أتبعه» بمعنى تبعه فهمزته لا تفيده تعدية ، وهي كهمزة أبان بمعنى بان.
والشهاب : القبس والجمر من النار. والمراد به هنا ما يسمّى بالنيزك في اصطلاح علم الهيئة ، وتقدم في قوله : (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) في سورة الحجر [١٨].
والثاقب : الخارق ، أي الذي يترك ثقبا في الجسم الذي يصيبه ، أي ثاقب له. وعن ابن عباس : الشهاب لا يقتل الشيطان الذي يصيبه ولكنه يحترق ويخبل ، أي يفسد قوامه فتزول خصائصه ، فإن لم يضمحل فإنه يصبح غير قادر على محاولة استراق السمع مرة أخرى ، أي إلا من تمكّن من الدنوّ إلى محل يسمع فيه كلمات من كلمات الملأ الأعلى فيردف بشهاب يثقبه فلا يرجع إلى حيث صدر ، وهذا من خصائص ما بعد البعثة المحمدية.
وقد تقدم الكلام على استراق السمع عند قوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ* وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) في سورة الشعراء [٢١٠ ، ٢١١].