وعلى تقدير قوله : (وَحِفْظاً) [الصافات : ٧] مصدرا نائبا مناب فعله يجوز جعل جملة (لا يَسَّمَّعُونَ) بيانا لكيفية الحفظ فتكون الجملة في موقع عطف البيان من جملة (وَحِفْظاً) على حد قوله تعالى : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ) [طه : ١٢٠] الآية ، أي انتفى بذلك الحفظ سمع الشياطين للملإ الأعلى.
وحرف (إِلَى) يشير إلى تضمين فعل (يَسَّمَّعُونَ) معنى ينتهون فيسمعون ، أي لا يتركهم الرمي بالشهب منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوب بل تدحرهم قبل وصولهم فلا يتلقفون من علم ما يجري في الملأ الأعلى الأشياء مخطوفة غير متبينة ، وذلك أبعد لهم من أن يسمعوا لأنهم لا ينتهون فلا يسمعون. وفي «الكشاف» : أن سمعت المعدّى بنفسه يفيد الإدراك ، وسمعت المعدّى ب (إِلَى) يفيد الإصغاء مع الإدراك.
وقرأ الجمهور : لا يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف (لا يَسَّمَّعُونَ) بتشديد السين وتشديد الميم مفتوحتين على أن أصله : لا يتسمعون فقلبت التاء سينا توصلا إلى الإدغام ، والتسمع : تطلب السمع وتكلفه ، فالمراد التسمع المباشر ، وهو الذي يتهيأ له إذا بلغ المكان الذي تصل إليه أصوات الملأ الأعلى ، أي أنهم يدحرون قبل وصولهم المكان المطلوب ، والقراءتان في معنى واحد. وما نقل عن أبي عبيد من التفرقة بينهما في المعنى والاستعمال لا يصح.
وحاصل معنى القراءتين أن الشهب تحول بين الشياطين وبين أن يسمعوا شيئا من الملأ الأعلى وقد كانوا قبل البعثة المحمدية ربما اختطفوا الخطفة فألقوها إلى الكهان فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم قدر زيادة حراسة السماء بإرداف الكواكب بعضها ببعض حتى لا يرجع من خطف الخطفة سالما كما دلّ عليه قوله : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) ، فالشهب كانت موجودة من قبل وكانت لا تحول بين الشياطين وبين تلقف أخبار مقطعة من الملأ الأعلى فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم حرمت الشياطين من ذلك.
والملأ : الجماعة أهل الشأن والقدر. والمراد بهم هنا الملائكة. ووصف (الْمَلَإِ) ب (الْأَعْلى) لتشريف الموصوف.
والقذف : الرجم ، والجانب : الجهة ، والدّحور : الطرد. وانتصب على أنه مفعول مطلق ل (يُقْذَفُونَ). وإسناد فعل (يُقْذَفُونَ) للمجهول لأن القاذف معلوم وهم الملائكة الموكّلون بالحفظ المشار إليه في قوله تعالى : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً